الأدب العربى >> الشعر >> العصر الجاهلي >> الاعشى >> القريب من يقرب نفسه >>
قصائدالاعشى
القريب من يقرب نفسه
الاعشى
- كَفَى بِالّذِي تُولِينَهُ لَوْ تَجَنّبَا
- شِفَاءً لِسُقْمٍ، بَعدمَا عاد أشْيَبَا
- عَلى أنّهاَ كَانَتْ تَأوَّلُ حُبَّهَا
- تَأوُّلَ رِبْعيّ السِّقَابِ، فَأصْحَبَا
- فَتَمّ عَلى مَعْشُوقَةٍ، لا يَزِيدُهَا
- إلَيْهِ، بَلاءُ الشّوْقِ، إلاّ تَحَبُّبَا
- وَإني امْرُؤٌ قَدْ باتَ هَمّي قَرِيبَتي،
- تَأوّبَني عِنْدَ الفِرَاشِ تأوّبَا
- سَأُوصِي بَصِيراً إنْ دَنوْتُ من البِلى
- وَصَاةَ امْرِىءٍ قاسَى الأمُورَ وَجَرّبَا
- بِأنْ لا تَبَغّ الوُدّ مِنْ مُتَبَاعِدٍ،
- وَلا تَنْأ عَنْ ذِي بِغْضَةٍ أنْ تَقَرّبَا
- فَإنّ القَرِيبَ مَنْ يُقَرّبُ نَفْسَهُ،
- لَعَمْرُ أبِيكَ الخَيرَ، لا مَنْ تَنَسّبَا
- مَتى يَغتَرِبْ عَنْ قَوْمِهِ لا يجدْ لَهُ
- عَلى مَنْ لَهُ رَهْطٌ حَوَالَيْهِ مُغضَبَا
- وَيُحْطَمْ بِظُلْمٍ لا يَزَالُ يرَى لَهُ
- مَصَارِعَ مَظلُومٍ، مَجرّاً وَمَسْحَبَا
- وَتُدْفَنُ منهُ الصّالحاتُ، وَأنْ يُسِىءْ
- يكُنْ ما أساءَ النّارَ في رَأسِ كَبكَبَا
- وَلَيسَ مُجيراً إنْ أتَى الحَيَّ خائِفٌ،
- وَلا قَائِلاً إلاّ هُوَ الُمتَعَيَّبَا
- أرَى النّاسَ هَرّوني وَشُهّرَ مَدْخَلي،
- وَفي كلّ مَمشَى أرْصَدَ النّاسُ عَقرَبَا
- فأبْلِغْ بَني سَعدِ بنِ قَيسٍ بِأنّني
- عَتَبْتُ فَلَمّا لْم أجِدْ لَي مَعْتَبَا
- صَرَمتُ وَلمْ أصرِمْكُمُ، وَكصَارِمٍ
- أخٌ قَد طَوَى كَشحاً وَأبَّ ليَذْهَبَا
- وَمِثْلُ الّذِي تُولُونَني في بُيُوتكُم
- يُقنّي سِناناً، كالقُدامى، وَثَعّلَبَا
- وَيَبْعُدُ بَيْتُ المَرْءِ عَن دارِ قَوْمِهِ
- فَلَنْ يَعْلمُوا مُمْسَاهُ إلاّ تحَسُّبَا
- إلى مَعشَرٍ لا يُعْرَفُ الوُدّ بَيْنَهُمْ؛
- وَلا النّسَبُ المَعْرُوفُ إلاّ تَنَسُّبَا
- أرَاني لَدُنْ أنْ غابَ قَوْمي كأنّمَا
- يَرَانَي فِيهِمْ طَالِبُ الحَقّ أرْنَبَا
- دَعا قَوْمَهُ حَوْلي فَجاءوا لَنصْرِهِ،
- وَنَادَيْتُ قَوْماً بِالمُسَنّاةِ غُيَّبَا
- فَأرْضَوْهُ أنْ أعْطَوْهُ مِنّي ظُلامَةً
- وَما كُنتُ قُلاًّ قَبلَ ذَلِكَ أزْيَبَا
- وَرُبّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بجَوّهِ،
- أتَاني كَرِيمٌ يَنفُضُ الرّأسَ مُغضَبَا
- أرَى رَجُلاً مِنكُمْ أسيِفاً كَأنّمَا
- يَضُمّ إلى كَشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبَا
- وَمَا عِنْدَهُ مَجْدٌ تَلِيدٌ، وَلا لَهُ
- من الرّيحِ فضْلٌ لا الجَنوبُ وَلا الصَّبَا
- وَإني، وَما كَلّفْتُموني وَرَبِّكُمْ
- ليَعْلَمَ مَنْ أمْسَى أعَقَّ وَأحْرَبَا
- لكَالثّوْرِ، وَالجِنّيُّ يَضرِبُ ظَهْرَهُ،
- وَمَا ذَنْبُهُ أنْ عافَتِ المَاءَ مَشْرَبَا
- وَمَا ذَنْبُهُ أنْ عافَتِ المَاءَ بَاقِرٌ؛
- وَمَا إنْ تَعافُ المَاءَ إلاّ ليُضْرَبَا
- فإنْ أنْأ عَنكُمْ أُصَالِحْ عدُوّكم،
- وَلا أُعْطِهِ ألاّ جِدالاً وَمِحْرَبَا
- وَإنْ أدْنُ منكُمْ لا أكُنْ ذا تَميمَةٍ
- يُرَى بَيْنَكُمْ منها الأجالدُ مُثْقَبَا
- سَيَنْبَحُ كَلْبي جَهْدَهُ من وَرَائكُمْ،
- وَأُغْني عِيالي عَنكُمُ أنْ أُؤَنَّبَا
- وَأدْفَعُ عَنْ أعرَاضِكُمْ وَأُعِيرُكُمْ
- لِساناً كمِقْرَاضِ الخَفاجيّ مِلْحَبَا
- هُنالِكَ لا تَجْزُونَني عنْدَ ذاكُمُ،
- وَلَكِنْ سَيَجْزِيني الإلَهُ فَيُعقِبَا
- ثَنَائي عَلَيْكُمْ بالمَغيبِ وَإنّني،
- أرَاني إذا صَارَ الوَلاءُ تَحَزُّبَا
- أكُونُ أمرَأً مِنكُمْ على ما يَنوبُكمْ،
- وَلَنْ يَرَني أعداؤكُمْ قَرْنَ أعضَبَا
- أرَاني وَعَمْراً بَيْنَنَا دَقُّ مَنْشِمٍ،
- فَلَمْ يَبْقَ إلاّ أنْ أُجَنّ وَيَكْلَبَا
- كِلانَا يُرَائي أنّهُ غَيرُ ظَالِمٍ،
- فأعزَبْتُ حِلمي أوْ هوَ اليَوْمَ أعزَبَا
- وَمَن يُطعِ الوَاشِينَ لا يَترُكُوا لَهُ
- صَديِقاً وَإنْ كَانَ الحَبِيبَ المُقَرَّبَا
- وَكُنتُ إذا ما القِرْنُ رَامَ ظُلامَتي،
- غَلِقتُ فَلَمْ أغْفِرْ لَخصْمي فيَدْرَبَا
- كمَا التَمَسَ الرّوميُّ مِنْشَبَ قُفْلِهِ
- إذا اجتَسّهُ مِفتاحُهُ أخطأ الشَّبَا
- فَما ظَنُّكُمْ باللّيثِ يَحمي عَرِينَهُ،
- نَفى الأُسْدَ عَنْ أوْطانِهِ فَتُهُيّبَا
- يُكِنّ حِداداً مُوجَداتٍ إذا مَشَى،
- وَيُخْرِجُهَا يَوْماً إذا مَا تَحَرّبَا
- لَهُ السّوْرَةُ الأولى على القِرْنِ إذْ غدا،
- وَلا يَستَطيعُ القِرْنُ مِنْهُ تَغَيُّبَا
- عَلَوْتُكُمُ وَالشّيبُ لْم يَعْلُ مَفرِقي،
- وَهادَيتُمُوني الشِّعر كَهْلاً مُجَرَّبَا
المزيد...
العصور الأدبيه