الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد بنميمون >> في هجاء البياض و الرشد >>
قصائدأحمد بنميمون
- -1-
- حينما أنظر إليه
- أرفض أن أبدأ من الميتافيزيقا , فأفسح له أن يهاجمني و يصمني بما شاء
- من التهم المنكرة , أقول له أنه لم يؤثر عنه
- أن البياض من أسمائه الحسنى
- أو أن البياض من صفاته الواجبة ,
- يرسل في طلب من يختطفني
- فيقذف بي إلى أعماق ليل يطول و يطول ,
- حتى أشرع في إرسال صراخي مستغفرا :
- و طالبا أن أرى خيطا من نور يؤنسني
- و يبدد وحشتي
- و يهديني سواء السبيل ,
- فأسمع من يقول : هذه بداية الرشد
- فإذا أنعمنا عليك بتمكينك من رؤية خروج الخيط الأبيض من الأسود ,
- أفستؤمن أن البيضة أسبق في الوجود لأننا من سلالتها مبنى و معنى ,
- فأجيب من أعماق صحرائي بهدوء :
- إني أرفض أن أبدأ من الميتافيزيقا،فأشهد بما لا أعرف
- و بما لم أجرب الخوض فيه ,
- فأثبت ما أدري يقينا أنه غير حقيقي ,
- و لذا فأنا أعتز بسواد حظي معك
- و بسواد رؤياي عندك '
- و أكتب هذه الأغنيات الفاحشة لألطخ بها نقاءك و أصواتك البيضاء ,
- و لأغنيها أمام كل بياض حقيقي ,
- و لأصدع بما يخيفك
- فتعتقلني في النقيض ,
- فيسقط زعمك و تسقط رؤيتك و أكون بذلك قد فضحتك ,
- و لا يعود هاما أن تنفيني أو توجدني,
- أنت الذي لا طاقة لديك على نفي ذاتك أو خلقها ,
- كما أفعل أنا إن أردت ,
- فبالفداء أثبت وجودي وبه أنفي عني الموت ,
- لأنه احتجاجي ضدا على أن أكون بلا هدف
- و حريصا في الآن نفسه على ألا تضيع مني الحياة :
- يا بياض الألوهة هذا هجائي ، وأعلن
- منذ البداية رفضي
- وأعلن عشقي لطلعة شعبي مغبرّة ً كالحة
- فبين حوا نحه للرغاب و ألوانه : إنهمار الرؤى
- و اخضرار الدماء انطلاقتها الجامحة
- يا بياض الألوهة
- تلك نهاية خوف يُصخرنُ في خطوتي
- رغبتي في المسير على الطرق الواضحة
- - 2-
- ويا أيها الثلج الذي يسبق البياض إلى كل غاية
- فتقتل وأنت النقي هيئة
- وتسرق الدفء وتكذبنا بإيهامنا انك تأتى من السماء
- وغائمة سماؤك تحتكر البكاء وتقطر بياضا ،
- أتوّجُهُ ولا صفة للطهارة عنده ،
- البياض الكريه الذي يضرم شعبي نفسه من اجل أن يدفأ من قره
- لكن ما آن يحتاج نيرانه ليتحرر حتى تنهض أمامه صحارى
- ونداءات من رماد لا يعرف للعنقاء شيخوخة آو بعثا ،
- للطفل صرخة ميلاد آو بسمة مهد ،
- لهو يفاعة أو مكابدة رشد ،
- وانحدارا إلى القمة في اللحد : الباب إلى الاشتعال
- فينشر في فضائه مدارات للضوء وحقولا للرماد
- وبه اكثر من منحدر يسرع عبره زمان الشيخ إلى اكثر من حضيض
- يا بياض المشيب ها هي ذي أكفانك تعتز بها قبائل يحكمها شيوخ وتعبد الثار وهامات أخرى : بضعة آلهة لا قدرة لها على فعل شيء أو بعث رسول بكتاب, هي ذي أكفانك أيها البياض الكريه
- -هكذا يشدون في مواكبها -
- نوردها رايات بيضا)ونصدرهن حمرا(-
- فيا أيها الثلج أتعرف تلك الرايات الحمر المروية بدماء الهندي الأحمر المباد،
- أو بدم من وضع رهن إشارة المبيد الأبيض الذي يتسلح لإبادتنا أولا بأول , بالسيف في يد وبالذرة في أخرى ,
- فيا ألوان العالم اتحدي ضد الأبيض الغاشم ,
- وتمترسي أينما كنت من أجل أن نخوض عليه حرب شوارع و غابات ,
- زرافات ووحدانا، عصابات عصابات،
- ولتتساقط الشمس أشلاء و شظايا و ألوانا تحاصر الأبيض و تحتجزه ,
- فللشمس من النيران ما يكفي لمحوه ,
- حتى نتحدث في غد عن ذلك الأبيض المباد .
- و نختلق القصص عنه , وعن بعث الهندي الأحمر ,
- متحديا بالهمجية الحضارة البيضا البريئة من دنس الألوان و رجسها ,
- ألوان البشر المنحدرين من سلالة لم تتقوقع على ذاتها على شكل البيضة ,
- التي كانت الأسبق , و التي ينكر أسبقيتها الكافرون , المارقون
- و الرافضون أن يبدءوا من الصباح حساب يومهم
- فيؤلهون الأسود و يبدؤونه ليلا ,تعالى الأبيض عما يأفكون .
- -3-
- للأبيض كل الوجوه و لي طريق واحدة.
- الخضرة تورق على سواعدي ,
- و تتصبب خيرات و شآبيب على جسدي ليأكل الأبيض ,
- الذي يجني و يدع لي الحق أن أتلمظ ,
- و حين يضج من الجوع صغاري ,
- يترك لي الحق ثانية في أن أضع القدر بضعة أحجار ,
- فأصدق الكذبة التي تلون أحلامي بمشاهد اللحوم و الخضار و الفواكه .
- أحلام تكره الصحو و تدعو عليه
- أحلام أدعوها الموت و لا أدري ماذا يسميها عليه القوم ,
- كذب يعطيه الصبر جناحا ليحلق في كل الآفاق ,
- و يكون الصبر قبيحا حين يصير من أتباع الأبيض ,
- و للبياض ما لا يحصى من أتباع في السود و الحمر و الصفر ,
- حتى في الزرقة يوجد من يتبع تعاليمه , و من يبلغ الأبيض آلاف الوشايات يوميا عن البحر حين تغطيه سمرة الخمر فتسكر الأشعة
- و تعربد الألوان بالعصيان ,
- فيغدو الجميل ساحرا و تضج بالفتنة أرجاء و أرجاء,
- و لا يعود للأبيض إلا رغاء الموج و جفاء الزبد و ما لا ينفع الناس .
- قلبي أيضا في هذا البحر يضج بالفتنة ,
- و عيوني تعب من نور الخمرة ,
- و من مناهلها أملأ الجرار للصغار
- المتحلقين حول قدر الأحجار
- الذي يرغي و يزبد كأنما نحن الذين لم ننضج بعد على مواقد الأبيض
- الذي فتح علينا نيرانه حينما تأوهنا من أعبائه , و بدا علينا أننا سنطالبه بأن نستقل عنه و بأن يبتعد عنا , فكان أن تساقطنا بأعداد هائلة ثم سكتنا , فجرت عيوننا أنهارا , قال الأبيض : فلتسقوا منها , و لينهل أبناؤكم من دفقها
- فهي لكم نعم السقيا ونعم ما تفعلون .
- -4-
- و يحضرني الرقيب إليه , و أرفض أن أجعله لوني
- أنا عاشق اللون الذي يفتن
- أنا عاشق اللون الذي لا يفر ولا يستسلم
- أنا عاشق اللون الذي يقاوم
- و أنا أيضا الذي يسخر
- من جبن الأبيض في المواجهة و حينما يعدني بالقتل كما لا أحب ,
- أقول لا يهم الشاة ...ألخ .فتصيح بفمي )آلام شجاعة( : أما آن لهذا الفارس أيضا أن ....ألخ أيضا . فيضع يده على شفتي محاولا كتم ما أريد إيضاحه فتهدج أوداجه إذ يصرخ أسكت ...أسكت .و لتسكت ذات النطاقين , وليسكت المأفون بريخت المشرك لأنه اشتراكي , ولأنه لم يق
- و يغرورق فمه بالصراخ و الرغوة , فيغمى عليه , فأختطف ثانية فلا أعاد إليه إلا حينما يعود إليه رشده , فيطيب لي أن أضحك منه في ظلمة حبسي , و أن أهجو رشده الذي لا يعود إليه إلا ليلة حمراء يحيى فيها ذكرى الهندي الأحمر فيطمئن لمحو حضارة و وحوش ,المحو المضاع
- و أكون اللغم و أؤجل الانفجار
- و أكون الفتنة و أؤجل الانتشار
- و أكون الضال الذي ينطوي على ما يضمن الهداية
- انشر أشرعتي .. أمخر هوج الموج فيسكرني
- لوني في الموج
- تكون الفتنة ساحرة شاملة , و يدوي اللغم
- - 5 -
- عندي الآن هذيان قلوب لم تعرف طعم الدمع ,
- حين تلوت مرثيتي أمام قبر فعلي الماضي ,
- ضحكت و هي تحتج ضد المطلق , و صراخها كانت تثقله ذبذبات الضحك الصافي الصادق .
- عندي الآن أمطار لن أطلقها في الشتاءات من أجل ولادة يباس يرافق خطوتي إلى الجنة التي وعدت بها , دون أن تسوخ في الوحل
- عندي الآن للطيور هندسة لبناء أعشاشها , في أغنية لا تسمع
- عندي الآن للأشجار موسيقى حتى و إن أباد الفلاحون العصافير جميعا ،
- موسيقى تبكي و تحتج من أجل خضرة دائمة .
- موسيقى تلد الربيع و تجادل في صفاته و تسهر عليه .
- هي موسيقاي في رثائي للفعل الماضي و هي أيضا موسيقاي حين هجوت
- الرشد
- و البياض الكريه فانبعثت قدامي أشباح تستنكر و قد تهيأت لقتلي , و ترسل أصواتا نائحة تستعدي ضدي أهلي .
- أصواتا نتنة تتسول الرثاء لا العطف .
- أصواتا-هذيانا من حناجر جثث قد كفنت بالأبيض و تنتظر الدفن
- أصواتا -إشارات و رغم ذلك تضيق بها الآذان .
- عندي الآن لقتل الموت , العصافير الضالة , البياض , الرشد القاصر
- الأصوات -الهذيان-الإشارات ,وسائل هذا جسمي إحداها
- جسمي هذا الطاعن في الحرب
- الطاعن في كراهية البياض و هجاء الرشد
- سيشارك في إعداد قبور من أجل العلامات الأعلام .
- -6 -
- يغتالني الأبيض الأنيق و لا أغادر رفضي ,
- و أحب جاذبية الدفع التي لكفي و قدرتها على أن تجعل عيني
- تكفان عن رؤية الأبيض يتألق في كل الفضاءات و أحبه منفجرا فيها كشهاب يبرر انتحاره بمطاردة الشياطين , الأبيض يغتال النهار و أفراحا بألوان محبوبة , و يحضر في الليل مدججا بالأشباح و الفجاءات منتظرا : أن يضبطني متلبسا بالسعي نحو
- )الإقامة في الأرض (,
- و أن يسمعني مرددا بطريقتي الخاصة الصرخة الهادئة الرائعة
- )لن(,
- و أن يراني أجتهد لإعداد
- )
- قبر من أجل نيويورك
- (
- حتى تكشر أناقته عن خبثها ,
- فأوجه الوحش المتمدن
- -الذي جرب آلف الطرق لاصطياد الإنسان المتوحش-
- لا صاغرا و لا مستسلما,
- فأعلن عليه الحرب حتى تخضر أمنياتي بين يدي ,
- و يتحقق ما لا يستطيع بعض أهلي تصوره
- ,و أصر على الحرب
- حتى أبصر ألوان الأرض جميعا في عيد
- أدعو أن ينتفض المظلومون معي و أريد
- آن أفضح إصرارا غيبيا ) آن الأبيض سيد كل وجود(
- هل تدري
- الميتافيزيقا /
- هل تدري
- شهب تهوي
- هل تدري
- أيد بيضاء اغتالت بالأسلحة البيضاء رفيقي
- هل تدري
- عاهرة فاضلة كانت تكره كل البيض و إن كانوا أهلا
- هل يدري
- الخطباء البيض الحقراء ,
- )
- و هل يدري
- ذاك الشيخ الأبيض
- و هو يراود شابا أبيض عن نفسه (
- هل يدري
- أهل الرشد المخروق
- عشاق عوالم خارقة في الغيب
- هل يدري
- الأبيض نفسُهْ
- حتى لو شمخت في هذي الأيام الجهمة رأسُهْ
- هل تدرون جميعا أنتم يا ... أنتم
- هل تدرون غدا من سوف يسود ?
- -
- شفشاون في سبتمبر 1980
المزيد...
العصور الأدبيه