قصائدأحمد بنميمون



منارة لوطن في متاهة
أحمد بنميمون



  • ـ 1 ـ

  • وطني راحل في الضباب وسبابة الشعر فيه تشير إلى الشمس ،

  • وأجنة أطفال ٍ بلا ملامح تندلق من صخور جباله ،

  • وقد أصيبت بحمى مدنية تُنشد :

  • حان أوان خروجنا إلى اخضرار ٍجذوره في الغيوم،

  • لنتعبّأ بين التراب ،

  • من أجل العودة إلى فضاء ٍ لنا فيه زهو جبل

  • عنده مفاتيح الماء لا يملكها إلا هو ، كل عين قصيدة ،

  • وكل رشفة رؤية لأحلام الدم اللاهث ،

  • وكل شعاع ٍ آية ،

  • والمنارات سور ٌ من قرآن ٍ ليليّ ٍ يرتله المد لجون في خشوع ٍ،

  • ومع كل قنديل تنزل السكينة في قلوبهم ،

  • وخلف التراب الذي نتسلح لحمايته بالعيون ،

  • والخطوات التي تتقدم ،

  • والآيات المشعّة ومنارات يوحي أو يفاجئنا بها الليل ،

  • فيعرينا إن تقاعسنا فلم نسع إلى التربة بأعضاء ذكورة حديدية

  • لإخصابها بفحولة قد تزول عنا إن أسأنا فلم نشبع ظمأها

  • الذي يتوهّج في غناء جيل قادم من الفلاحين إلى بلادي الهاربة في الجدب ، الخائفة من مواجهة صريحة مع وجوه الغد المتعددة،

  • هما وجهان ليس أكثر: غاصب ومغتصب ،

  • ونجاهد من أجل فعل لا يديننا ويدين الاضطهاد .

  • غصبتنا عصابة السوء أرضا ليس سهلا ضياعها ،

  • كيف يمسي ما نعاني من غربة عاديا ؟

  • من منا الذي لا يعرف من تحدّانا بتهجيرنا جموعا ،

  • قضى بالذل المشين علينا،

  • فانكشف أيها المكان عن المدهش من فعل ٍ ممعن في التحدي ،

  • بين أهلي متاهة ، وهنا عمري الذي يذوي ورده في اغتراب ٍ،

  • يسأل النبع والتراب وآيات الخروج المشعة : الفعل والأغنية ،

  • الفرحة الكبرى لن تأتي قريبا ،

  • وفجرنا في البدايات سيبدو وجها مريبا ،

  • هل نرى في الضياء وجها حبيبا ؟

  • وطني ماخر عباب الدخان أين يمشي ؟ سبابة الشعر فيه ،

  • في طريق ٍ تشير لي نحو شمس ٍ ، نحن لا نمشي نحوها ،

  • أيّ أجيال ٍ ستنمو في ظلمة الدرب منذ الآن ؟

  • إني أعطيت ُ عيني لبلادي :

  • عين أجيالنا التي من غد ٍ سوف تجيء ُ بالأمنيات

  • وأفراح شيوخ ٍ أحفادهم حققوا الحلم بنار إبداعهم والتحدي

  • ها نفضت ُ عن خطوتي ألم القيد وأعطيت ُ من معي كلْمة السر ،

  • تركتُ زنزانتي وأنا الآن وليدٌ في قبضتي نار حقدي .

  • ـ 2 ـ

  • إذ يسيل دمي نافرا بين أحجار هذي الكهوف

  • تشعّ نجوم على الأرض تسعى لأسواقها ،

  • بعضها لا يشع :الكآبة والفقر لا يمنحان الكواكب إيماضة ،

  • تتمدّد نار الحروب ،

  • كما يتدفّق سحر المعادن مالا على وجه أرضي ،

  • يزيّف أخبارها الأغنياء ،

  • إذا شاء حملي الجواسيس للسجن ها أنذا أتغنى ،

  • وأدفع أغنية للجماعة نحو الرياح ،

  • وأهتف :إن الذي يتراكم على موائدهم عرق الفقراء ،

  • وإن الذي يتوهّج فوق تيجانهم ضحك مغتصب .

  • هذه مدن الفقراء يجلّلها بالسواد الصباح الوشيك ،

  • تأهّب في رحم الليل فيهااندفاق ٌ سينهلّ بالأغنيات ،

  • ويخرج أبناؤها شاهرين سيوفا على من يزيّف

  • إشراقة ً ، زارعا في الجفاف بساتين أمنية غالية .

  • ـ 3 ـ

  • في انتظار طائر السعد نغنى نشيدا حزينا ،

  • لا نتحرك ، نتعجّب من الحزن الذي يهاجم كالفيضان

  • فيهلك الزرع والضرع ، فنصرخ :

  • أيها الماء أتفيض احتجاجا

  • أم من أجل أن تكتشف اليابسة لتمحوها ؟

  • وهل يتلقى الجياع القنابل العنقودية

  • ليشبعوا؟

  • الآن نصير النار ونهاجم الأسلحة ،

  • ونصير الجماهير ونهاجم هراوة البيروقراطية ،

  • ونصير الجنوبيين ونهاجم بدل أن نكون هدفا للعدوان ،

  • ونصبح مصر ونقمع أبا لمعة ،

  • ونصبح التراب الهواء الماء النار ونهاجم ،

  • من أجل أن نطرد الحزن ،

  • من أجل أن تورق الأشجار بفرحة يقطفها الجميع ،

  • فرحة تنهض إذ ننهض ،

  • وتحرسنا حين نستريح

  • في الحب

  • أو الضحكة

  • أو الرشفة ،

  • للحب نقرب الينابيع البعيدة

  • التي حرمت طفولتنا من ورودها ،

  • ونؤسس للضحكة الإشراق والصفاء ،

  • هذا مايستحق أن نموت من أجله

  • حين نمنع من أن نفتح عينا

  • بما يفعل الحرف أو برقصة اللون ،

  • أو بالصرخة المضيئة على طريقة الصدى لا البرق ،

  • ولا نخشى بعدها أن نكمّم ،

  • فالصرخة المضيئة منارة ،

  • وصراخ الضوء

  • خالد ،

  • حتى وإن أتى خاطفا خاطفا ،

  • كذلك كلمة الصدق مدوية

  • وإن كُمِّمَتْ أو أُجهضتْ ،

  • لا تنتظر أن تنقشع الرعونة ،

  • فالجبروت ظلمة لا ترحل إلا أمام قوة كالشمس

  • التي يشير إليها الشعر في شفاه وطني

  • الرازح غير راض ولا خاضع تحت نير الرعونة ،

  • تتفتح براعم براعم من أجل التبشير بحكم العشب والسنابل ،

  • من أجل طرد الجفاف

  • والرعب

  • والعناقيد التي تورق في النار .

  • ـ 4 ـ

  • هذا اختياري أن أكون مُشعا،

  • وللجبال ألآن أن تحتويني قضية المؤمنون بها ليسوا طينة علوية ً،

  • ودمهم ليس أزرق ،

  • وليسوا من سلالة النجم أو ما فوقه ،

  • ومع ذلك فما يشع هو إيماني ،فألتهب به،

  • وأجمع نثير الضوء لأنفجر،

  • أجمع الوهيج في عيني ،

  • والأجيج في فمي ،

  • لأرمي الحمم والقنابل على من يؤخرون الزحف ،

  • ويقيمون أسوارا بين الطبقات ،

  • وحين ندعو على المسرح بالسقوط،

  • وعلى الرأس بالموت أو الابتعاد عنا ،

  • نهاجم فردى وزرافات ،

  • علانية ولا نعود نفاجأ بزيارات الفجر،

  • بل نجلس في انتظارهم ، حازمين أمتعتنا ،

  • فنضجر حين يتأخرون ،

  • كما يضجر الواقفون على رصيف قطار

  • يخلف الميعاد ، لكنه لا بد يجيء ،

  • أردنا أم لم نرد ،

  • ويتأخر ونفضل أن نعود ،لكنه يأخذنا فجأة ،

  • وبدون رغبة منا ،

  • مبالغة في عادة أفضل أن أكذب الآن

  • وأقول :إنها كرم متأصل ٌ،

  • حتى لا أغضبه ،

  • فللرأس أكثر من أذنين ، ومن عينين

  • ويعلم ما لا نعلم ،ويرانا ولا تدركه الأبصار ،

  • وكفاني أني أزعجته بأن كنت مشعا وحليفا للمنارات ،

  • وكنت صدى صراخها في متاهة الوطن ،

  • وأن تشعّ قليلا خير من أن لا تندّ عنك نأمة ٌ

  • تنمّ عن وجودك ،

  • تلعن بها الظلام ن وللأعين بعد ذلك أن تصنفك :

  • ـ فأنت زاحفٌ ،

  • وهذا شرف لم يحظ به إلا مؤمنون

  • زحفوا وحققوا بدء النصر ، وعلينا أن نكمل .

  • ـ أو فأنت طائر ٌ ،

  • وهذا مجد لم يظفر به غير جاجارين .

  • ـ أو إنك راجلٌ ،

  • وهذا ما يجب أن تحافظ عليه لتكون إنسانا عن جدارة .

  • ـ 5 ـ

  • من أجل أن يفيض ضوء هذه المنارة على الشاعر نفسه ،

  • أحسّ بدبيبٍ في صدره ،

  • يتحرك نحو رأسه ،

  • وبدوار في الرأس يحرك ليسير نحو الجسد كله ،

  • وتداعت إلى الذهن، وقد انتابت هذا الكائن ،

  • رغبة في البكاء أو ما يوازيه ،

  • بأن إخوته وأباه وأمه، وأقاربه جميعا ،

  • يلاحظون أنه لا يحدثهم

  • ـ هو وأصدقاؤه ـ

  • في الشعر بما يضيء حياتهم اليومية ،

  • أو يستضيء بها : ألا يقال إن كل قصيدة منارة ؟

  • فكيف تكون كذلك إذا كانت لا تأخذ أو تعطي شيئا ؟

  • أحس الشاعر وهو في لحظة تشبه الإغماء ،

  • بأصوات الأقارب والأباعد تستصرخه وتستحثه

  • أن ينغمر في الحياة لاكتشاف جوانبها الخلفية المظلمة ،

  • وأن ينخرط في

  • أحلام الأطفال

  • والراشدين والرجال المكبلين بأكثر من حبل ،

  • ورغم ذلك فهم يخرجون كل صباح

  • من أجل أن يعودوا بشيء يحملون عليه ابتساماتهم ،

  • حتى لا يقول طفل أنا بقرة ، ويأكل من الحشائش ،

  • وحتى لا يلجأ راشد إلى ما يخدر عن قصد وسبق إصرار،

  • قالت الأصوات للشاعر :

  • يجب ألا تهمس للناس ،

  • بل اصرخ بما يفرقون به بين العلم والخرافة ،

  • دع للآخرين أن يقولوا :إن الشعر ذو أجنحة ،

  • ولتقل أنت: بل هو ذو قدمين وعينين واسعتين،

  • يمشي بهما إلى كل شيء ، ليرى ، ويصرخ احتجاجا ،

  • فمن لا يَرَ لا يُرشدْ .

  • هدأت الأصوات قليلا ، فسكتت ثمّ عادت لتهمس :

  • إنك ترى يوميا ما يؤلم ،

  • فلماذا لا تكون اللسان النابض في حنجرة الرفض ،

  • أو الصوت الصارخ في المدينة ؟

  • كن صوت الرفض وهتاف الصمت ،

  • وتكلم طويلا طويلا دون أن تمسك قيثارة ،

  • كما كان المشهد يتطلب ذلك في القديم ،

  • ودونما حاجة إلى جوقة أطفال أو نساء ،

  • يمكنك الآن أن تمسك هراوة أو بندقية وتشرح ،

  • أو تقف في حراسة من يشرح ،

  • وفي عينيك بسمة تبعث الثقة في نفس من يتعلم ،

  • بل إنها تبعث على الرغبة في الخروج إلى الشمس ،

  • ورفع السواد عن جدران المدينة

  • التي انغلقت أمامها دروب الغد ،

  • ووجدت من يفتح لعا خط الرجعة ،

  • أعداؤك أيها الشعر

  • يعترضون دائما طريق من يريد السير نحو الغد ،

  • وطرد السواد ،

  • و القص من أجنحتك حتى لا تصبح أسطوريا ،

  • ونحن نحدد لك الآن موطئ قدم على الأرض

  • من أجل أن تضئ ،

  • بما يجعل منك منارة نشعلها لوطننا في متاهته،

  • التي لن تنهيها الرغبة أو مجرد النية الحسنة ،

  • بل نهوض جماعيّ إلى قطع الألسنة والرؤوس ،

  • علامات الأمس بيننا ،

  • بدل أن تكون المنارات للأذان والصياح المنكر ،

  • لتكن مصادر صراخ الضوء إلى فضاء تضيئه العواصف .

  • ـ 6 ـ

  • أيتها القرمطية التي تتجدد رؤيا ومظهرا ،

  • أنت أيضا كنت تشعين ولازلت ،

  • لماذا هاجرتنا

  • وأعطيت للأعداء الطبقيين الفرصة لاتهامنا

  • باستيرادك من هنا وهناك ،

  • رؤيا ومظهرا ؟

  • أنشدي على وتر الكلاشن أغنيتك وقولي :

  • إننا نولد تحت الضغط ،

  • ونعلن عن الهوية بأن نشع ،

  • تلك علامتنا الفارقة:

  • أنذا أتقرمط الآن ولا أخشى من التهم الجنون والضلال ،

  • بل أعتزّ بهما نياشين ،

  • وأدرك أيضا ماذا وراء وصفهم نضالنا بالإرهاب ،

  • وأنا لن أعيد الخطأ القاتل

  • فأكرر اختطاف الحجر

  • الأسود ،

  • ولكنني أصحّح بالتجربة ممارستي

  • وأجعلهم هم من يختطفونه الآن ،

  • أو ينقلونه إلى الرفيق الأعلى ،

  • أو يخفونه كما يخفون عوراتهم وحقائق أخرى.

  • أيها القرامطة يا رفاقي ،

  • هناك أحجار أكثر سوادا يجب أن نختطفها ،

  • وهي ما كان يجب اختطافه من قبل ،

  • :تلك أحجار تقيم في صدور الأعداء

  • يسمونها قلوبا ونسميها مجامع أضغان وقسوة ،

  • وكل ما لا يتحرك لرؤية

  • الذبح

  • وبقر البطون

  • وسمل العيون

  • والعبور على قناطر النار ،

  • ومشاهد غير ذلك أدهى وأفظع ،

  • أيتها القرمطية يا هويتي التي تتجدد: اشتعلي ،

  • ويا كلماتي انفجري من أجل انتفاضة تشتتهم شذر مذر ،

  • ومن أجل حرب لا تبقي ولا تذر ،

  • نتجابه فنضئ ، نكون من يرشد إلى شط النجاة .

  • ـ 7 ـ

  • إخلاصا مني لنظرية من احتجّ عليّ في الشعر ،

  • أجلس لأحاور التاريخ واليومي ،

  • ولأحدد النظر في ذاتي ، فأقرُّ بأخطائي ،

  • وأعترف بأن ّ الطرق انقطعت بيني وبين بيتي ،

  • وبين بيتي والشوارع المؤدية إليه ،

  • وبيني وبين الرجال والأطفال الذين أعرفهم اسما اسما ،

  • وبيني وبين شعاب الجبل ن وطرقات الأنهار،

  • والبساتين المهملة ،

  • والأسوار،

  • وبائع النعناع ،

  • ومتاعب المهنة ،

  • وجوف الطقطوقة ،

  • وعاملات الزرابي الصغيرات ،

  • والحيوانات التي كانت تجاور بيتنا في الطفولة ،

  • والباشا ،

  • عمال القمامة ،

  • والأمسيات الجميلة أمام الينابيع الثرة ،

  • والله ،

  • وحافلات السفر العمومي ،

  • وبضع عاهرات عاشرتهن في شبابي الأول ،

  • وشرطة الاختطافات ،

  • وزوجتي ،

  • ورئيس البلدية ،

  • والبنايات القديمة التي فقدت رونقها ،

  • والعمل السياسي ،

  • وبعض الأشعار ،

  • والنقابة ،

  • والأصدقاء ،

  • والمسؤولية ،

  • وليلي السكر،

  • والبطالة ،

  • وأيام الجامعة ،

  • وليالي افتقدتُ أنجمها

  • لكنها رغم ذلك أمطرت خيرا وبركة ،

  • وبائع الثياب المتجول ،

  • وحفار القبور ،

  • وهدايا العرس ،

  • وآثار اختلاط الجنسين ،

  • ومفعول التلفزيون ،

  • وموسيقى اللهاث النافر الرافض ،

  • قرّرت ُ أن أجري إلى اجتماع

  • مع من يحتجّون عليّ في الشعر

  • من أجل أن أقول بصدق ٍ :

  • ( إني مع الشعر الذي من صفته كذا وكذا ...إلخ .

  • وضد الشعر الذي يزيّف ويستعدي ،

  • ولا يسمي الأشياء بأسمائها ،

  • فيعوي ككلب حين يخاطب النجوم ولا نجوم ،

  • والجداول ولا جداول ،

  • والبحار ولا بحار ،

  • وينفث سمومه كأفعى حين يهاجم الإنسان المضئ ،

  • والمنارات التي نشعلها في متاهة الوطن )

  • وأسعى إلى مدينتي

  • بقصيدة فلا أعرف من أية طريق أذهب إليها ،

  • فالظلمة تغطيها ،

  • فأكتفي

  • ببعث

  • هذا الخطاب

  • كسهم ٍ ،

  • وأتبعه

  • عائدا

  • قادما

  • كشعاع .

  • -

  • شفشاون في 20/05/1981



أعمال أخرى أحمد بنميمون



المزيد...

العصور الأدبيه

اخطر 20 صورة سيلفي في العالم

اخطر 20 صورة سيلفي في العالم



أهم 12 نصيحه عند شراء شقتك بالتقسيط