الأدب العربى >> الشعر >> العصر الجاهلي >> الاعشى >> يممت خير فتى >>
قصائدالاعشى
يممت خير فتى
الاعشى
- بَانَتْ سُعَادُ وَأمْسَى حَبْلُهَا رَابَا،
- وَأحْدَثَ النّأيُ لي شَوْقاً وَأوْصَابَا
- وَأجمَعتْ صُرْمَنا سُعدى وَهِجرَتَنا
- لمَا رَأتْ أنّ رَأسيِ اليَوْمَ قد شَابَا
- أيّامَ تَجْلُو لَنَا عَنْ بارِدٍ رَتِلٍ،
- تَخَالُ نَكْهَتَها باللّيْلِ سُيّابَا
- وَجيِدِ مُغْزِلَةٍ تَقْرُو نَوَاجِذُهَا،
- من يانعِ المَرْدِ، ما احلَوْلى وَما طَابَا
- وَعَيْنِ وَحشِيّةٍ أغْفَتْ، فَأرّقَهَا
- صَوْتُ الذّئَابِ فأوْفَتْ نحوَهْ دَابَا
- هِرْ كَوْلَةٌ مثلُ الرّملِ أسفَلُها
- مَكسُوّةٌ من جَمالِ الحُسنِ جِلبابَا
- تُميلُ جَثْلاً عَلى المَتْنَينِ ذا خُصَلٍ
- يَحْبُو مَوَاشِطَهُ مِسْكاً وَتَطْبَابَا
- رُعبوبَةٌ، فُنُقٌ، خُمصَانَةٌ، رَدحٌ،
- قَد أُشرِبَتْ مثلَ ماءِ الدُّرّ إشْرَابَا
- وَمَهْمَهٍ نَازِحٍ، قَفْرٍ مَسَارِبُهُ،
- كَلّفْتُ أعْيسَ تَحتِ الرّحلِ نَعّابَا
- يُنْبي القُتُودَ بمِثْلِ البُرْجِ مُتّصِلاً
- مُؤيَّداً قَدْ أنَافُوا فَوْقَهُ بَابَا
- كَأنّ كُورِي وَمِيسادي وَمِيثَرَتي،
- كَسَوْتُهَا أسْفَعَ الخَدّينِ عَبْعَابَا
- ألجَاهُ قَطْرٌ، وَشَفّانٌ لِمُرْتَكِمٍ
- مِنَ الأمِيلِ، عَلَيهِ البَغْرُ إكْثَابَا
- وَبَاتَ في دَفّ أرْطَاةٍ يَلُوذُ بِنا،
- يَجرِي الرّبَابُ على مَتْنَيْهٍ تَسكَابَا
- تجفو البَوَارِقُ عن طَيّانَ مُضْطَمِرٍ،
- تَخالُهُ كَوْكِباً في الأفْقِ ثَقّابَا
- حتى إذا ذَرّ قَرْنُ الشّمسِ أو كَرَبتْ
- أحَسّ مِنْ ثُعَلٍ بالفَجْرِ كَلاّبَا
- يُشلي عِطافاً، وَمَجدولاً، وَسَلـهبةً،
- وَذا القِلادَةِ، مَحْصُوفاً وَكَسّابَا
- ذو صِبيَةٍ كَسْبُ تلكَ الصّارِياتِ لـهمْ،
- قَدْ حالَفُوا الفَقْرَ وَاللأوَاءَ أحقَابَا
- فَانْصَاعَ لا يَأتَلي شَدّاً بخَذْرَفَةٍ،
- تَرَى لَهُ مِنْ يَقِينِ الخَوْفِ إهْذابَا
- وَهُنّ مُنْتَصِلاتٌ، كُلّها ثَقِ فٌ،
- تَخَالُهُنّ، وَقَدْ أُرهِقْنَ، نشّابَا
- لأياً يُجاهِدُها، لا يَأتَلي طَلَباً،
- حَتى إذا عَقْلُهُ،بَعْدَ الوَنَى، ثَابَا
- فَكَرّ ذُو حَرْبَةٍ تَحْمي مَقَاتِلَهُ،
- إذا نَحَا لِكُلاهَا رَوْقَهُ صَابَا
- لمّا رَأيْتُ زَمَاناً كَالِحاً شَبِماً،
- قَد صَارَ فيهِ رُؤوسُ النّاسِ أذْنَابَا
- يَمّمْتُ خَيرَ فَتًى في النّاسِ كُلّهمُ،
- الشّاهِديِنَ بِهِ أعْني وَمَنْ غَابَا
- لمّا رآني إيَاسٌ في مُرَجَّمَةٍ،
- رَثَّ الشَّوَارِ قَلِيلَ المَالِ مُنْشَابَا
- أثْوَى ثَوَاءَ كَرِيم، ثُمّ مَتّعَني
- يَوْمَ العَرُوبَةِ إذْ وَدّعْتُ أصْحابَا
- بعَنْتَرِيسٍ كَأنّ الحُصّ لِيطَ بِهَا
- أدْمَاءَ لا بَكْرَةً تُدْعَى وَلا نَابَا
- وَالرِّجْلُ كالرّوْضَةِ المِحْلالِ زَيّنَها
- نَبْتُ الخَرِيفِ وَكانَتْ قبلُ مِعشابَا
- جَزَى الإلَهُ إيَاساً خَيْرَ نِعْمَتِهِ،
- كمَا جَزَى المَرْءَ نُوحاً بعدَما شَابَا
- في فُلْكِهِ، إذْ تَبَدّاهَا لِيَصْنَعَهَا،
- وَظَلّ يَجْمَعُ ألْواحاً وَأبْوَابَا
المزيد...
العصور الأدبيه