الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> فدوى طوقان >> نداء الأرض >>
قصائدفدوى طوقان
- تمثل أرضنا نمته و غذته
- من صدرها الثرّ شيخاً و طفلاً
- و كم نبضت تحت كفيّه قلباً
- سخياً و فاضت عطاءً و بدلاً
- تمثّل و هو يلوب انتفاضاً
- ثراها إذا ما الربيع أهلاً
- و ماج بعينه كنز السنابل
- يحضنه الحقل خيراً مطلاً
- و لاح له شجر البرتقال
- و هو يرف عبيراً و ظلاً
- و هاجت به فكرة كالعواصف لا تستقر
- تواكب تلك الطيوف تساير تلك الصور :
- أتغصب أرضي ؟ أيسلب حقي و أبقى أنا
- حليف التشردّ أصحب ذلّة عاري هنا
- أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة
- أأبقى ؟ و من قالها ؟ سأعود لأرضي الحبيبة
- بلى سأعود ، هناك سيطوى كتاب حياتي
- سيحنو علي ّ ثراها الكريم و يؤوي رفاتي
- سأرجع لا بد من عودتي
- سأرجع مهما بدت محنتي
- و قصة عاري بغير نهاية
- سأنهي بنفسي هذي الرواية
- فلا بدّ ، لا بدّ من عودتي
- و ظلّ المتشرد عن أرضه
- يتمتم : لا بد من عودتي
- و قد أطرق الرأس في خيمته
- و أقفل روحاً على ظلمته
- و أغلق صدراً على نقمته
- و ما زالت الفكرة الثابته
- تدوم محمومة صامته
- و تغلي و تضرم في رأسه
- و تلفح كالنار في حسه
- سأرجع لا بد من عودتي
- . . . . . . . . . . . . . ..
- و في ليلة من ليالي الربيع الدفيئة
- مشى ذاهل الخطو تحت النجوم المضيئة
- و راح يدور بأفق خواطره الشاردات
- يلاحقهن و يمعن بعداً مع الذكريات
- و يبصر يافا جمالاً يضيء على الشاطىء
- و يسمع غمغمة الموج في بحرها الدافىء
- و يلمح بالوهم طيف القوارب و الأشرعة
- تقبّل وجه الصفاء في الزرقة المتلرعة
- و مرت على وجهه وهو يحلم نسمه
- مضمّضة بشذى البرتقال تعطّر حلمه
- وكانت كهمسٍ مصدره واستتر
- كهمسٍ من الغيب وافاه يحمل صوت القدر
- وأوغل تحت ضياء النجوم
- يمشي ويمشي كمن يحلم
- وكان بعينيه يرسب شيء
- ثقيلٌ كآلامه ، مظلمٌ
- لقد كان يرسب سبع سنين
- انتظارٍ طواها بصبر ذليل
- تخدّره عصبة المجرمين
- وترقده تحت حلم ثقيل
- لقد كان يرسب سبع سنين
- طوال المدى عاشها في سؤال :
- متى سأعود ؟ وكان الجواب
- صمتاً يمدّ رهيب الظلال
- وما زال يمشي سليب الإرادة
- تدفعه قوّة لا تردّ
- إلى أين ؟ لم يدر . كان الحنين
- نداءً ألحّ به واستبدّ
- كأن الأرض ، من أرضه
- تصاعد يدعوه صوتٌ شرود
- يجلجل في قلب أعماقه
- ويجذبه ما وراء (الحدود)
- هناك تناهت خطاه ، هناك
- تسمّر عند السياج العتيق
- هناك تيقّظ وعياً رهيفاً
- وحسّاً عجيب التلقّي دقيق
- وفي نفسه كان يزدحم الدمع
- والشوق والسورة المفعمه
- ورجع نداء ملحّ قويّ
- وموجة عاطفة مبهمة
- ورائحة الأرض في قلبه
- مزيج حنان ونفخ شذيّ
- وللصمت من حوله ألف معنىً
- يعانق ألف شعور خفيّ
- وأهوى على أرضه في انفعال يشمّ ثراها
- يعانق أشجارها ويضمّ لآلي حصاها
- ومرّغ كالطفل في صدرها الرحب خدّاً وفم
- وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم
- وهزّته أنفاسها وهي ترعش رعشة حبّ
- وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب :
- رجعت إليّ؟!
- - : رجعت إليك وهذي يدي
- سأبقى هنا ، سأموت هنا ، هيّئي مرقدي
- وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين
- رمته بنظرة حقد ونقمة
- كما يرشق المتوحش سهمه
- ومزق جوف السكون المهيب صدى طلقتين
- …………………………………
- بدا الفجر مرتعشاً بالندى
- يذرذره في الربى والسفوح
- ومرّ بطيء الخطى فوق أرضٍ
- مضمّخة بنجيعٍ نفوح
- تلفّ ذراعين مشتاقتين
- على جسدٍ هامدٍ مستريح
المزيد...
العصور الأدبيه