الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> فدوى طوقان >> خريف ومساء >>
قصائدفدوى طوقان
- ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف
- عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف
- تعس الإعصار ، كم جار على اشراقها
- جرَدتها كفَه الرعناء من أوراقها
- عريت ، لا زهر ، لا أفياء ، لا همس حفيف
- *
- ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ
- وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء !
- الفضاء الخالد اربدَ وغشَاه السحابُ
- وبنفسي ، مثله ، يجثم غيم وضباب
- وظلالٌ عكستها فيَ أشباح المساء !
- *
- وأنا في شرفتي ، أصغي الى اللحن الأخير
- وقَعته في وداع النور أجواق الطيور
- فيثير اللحن في نفسي غمَا واكتئابا
- ويشيع اللحن في روحي ارتباكا واضطرابا
- أي أصداء له تصدم أغوار شعوري !
- *
- الخريف الجهم ، والريح ، وأشجان الغروب
- ووداع الطير للنور وللروض الكئيب
- كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي !
- رمز عمرٍ يتهاوى غاربا نحو الفناء
- فترةً ، ثم تلفّ العمر ، أستار المغيب
- *
- سيعود الروض للنضرة والخصب السّريّ
- سيعود النور رفّافاً مع الفجر الطّريّ
- غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي
- غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي
- كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبديّ ؟!
- *
- آه يا موت ! ترى ما أنت ؟ قاس أم حنون
- أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!
- يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليّه؟
- يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها !!
- قل ، أبن ، ما لونها ؟ ما طعمها ؟ كيف تكون ؟
- *
- ذاك جسمي تأكل الأيم منه والليّالي
- وغداً تلقى الى القبر بقاياه الغوالي
- وي ! كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاتي
- ساعياً فوق حطام كان يوما بعض ذاتي
- عائثاً في الهيكل الناخر ، يا تعس مآلي !
- *
- كلّه يأكل ، لا يشبع ، من جسمي المذاب
- من جفوني ، من شغافي ، من عروقي ، من غهابي
- وأنا في ضجعتي الكبرى ، وحضن الارض مهدي
- لا شعورٌ ، لا انفعالات ، ولا نبضات وجد
- جثّة تنحل في صمتٍ ، لتنفى في التراب
- *
- ليت شعري ، ما مصير الروح ، والجسم هباء ؟!
- أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء ؟
- أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم . .
- حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم . .
- ساط النور مرغاها ، ومأواها السماء ؟!
- *
- عجباً ، ما قصة البعث وما لغز الخلود ؟
- هل تعود الروح للجسم الملقّى في اللحود ؟
- ذلك الجسم الذي كان لها يوما حجابا !
- ذلك الجسم الذي في الأرض قد حال ترابا !
- أو تهوى الروح بعد العتق عودا للقيود ؟!
- *
- حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي
- عكست ألوانها السود على فكري وحسّي
- كم تطلعت ؛ وكم ساءلت : من أين ابتدائي؟
- ولكم ناديت بالغيب : الى أين انتهائي؟
- قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي!
المزيد...
العصور الأدبيه