الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> خليل حاوي >> بعد الجليد >>
قصائدخليل حاوي
- ( 1 ) عصر الجليد
- عندما ماتتْ عروقُ الأرضِ
- في عصرِ الجليدْ
- مات فينا كلُّ عِرْقٍ
- يبستْ أعضاؤنا لحمًا قديدْ
- عَبثًا كُنَّا نصدُّ الريحَ
- والليْلَ الحزينا
- ونداري رعشةً
- مقطوعةَ الأنفاسِ فينا,
- رعشةَ الموتِ الأكيدْ
- في خلايا العظمِ, في سرِّ الخلايا
- في لُهاثِ الشمسِ, في صحو المرايا
- في صريرِ البابِ, في أقبيَةِ الغَلَّةِ,
- في الخمرةِ, في ما ترشحُ الجدرانُ
- من ماءِ الصَديدْ
- رعشةُ الموت الأكيدْ
- ***
- يا إلهَ الخصبِ, يا بعلاً يفض
- التربةَ العاقِرَ
- يا شمسَ الحصيدْ
- يا إلهًا ينفضُ القبرَ
- ويا فِصْحًا مجيد,
- أنتَ يا تموزُ, يا شمسَ الحصىدْ
- نَجِّنا, نجِّ عروقَ الأرضِ
- من عُقْمٍ دَهاها ودهانا,
- أَدْفئِ المَوتَى الحزانى
- والجلاميدَ العَبيدْ
- عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
- أَنتَ يا تمُّوزُ, يا شمسَ الحصىدْ.
- عَبثًا كنا نصلِّي ونصلِّي
- غرَّقتْنا عتْمَةُ الليلِ المهلِّ
- عَبثًا نَعْوي ونعْوي ونُعيدْ
- عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
- نَحنُ والذئبُ الطريدْ
- عبثًا كنا نهزُّ الموتَ
- نبكي, نتحدّى,
- حُبُّنا أقوى من الموتِ
- وأَقوي جمرُنا الغَضُّ المُندَّى.
- وارتمَيْنا جثثًا, لحمًا حزينَا
- ضمَّ في حسرته لحمًا قديدْ,
- عبثًا نغتصبُ الشَّهْوةَ حرَّى
- عَبثًا نسْكبُها خمْرًا وجمْرا
- مِنْ بقايا في الوَريدْ,
- علَّهُ يُفرخ من أَنقاضنا نسلٌ جديدْ
- ينفُضُ الموْتَ, يغلُّ الريحَ,
- يدوي نبضَة حرَّى
- بصحراءِ الجليدْ
- "حُبُّنا أقوى من الموتِ العنيدْ"
- غير أنَّ الحبَّ لم يُنبِتْ
- مِن اللحْمِ القديدْ
- غَيْر أَجْيالٍ من الموتى الحزانى
- تتمطَّى في فم الموت البليدْ
- ***
- ( 2 ) بعد الجليد
- كيف ظلَّتْ شهوةُ الأرضِ
- تدوِّي تحت أَطباقِ الجليدْ
- شَهوةٌ للشمسِ, للغيثِ المغنِّي
- للبذارِ الحيِّ, للغَلَّةِ في قبوٍ ودنِّ
- للإله البعلِ, تمُّوزِ الحصىدْ,
- شَهوةٌ خضراءُ تأبي أنْ تبيد,
- وحنينٌ نبضُه يسري إلى القبرِ, إلينا,
- يا حنينَ الأرضِ لا تقسُ علينا
- لا تحر الدمَ في الأمواتِ, فينا
- موجِعٌ نبضُ الدَّمِ المحرُورِ
- في اللَّحمِ القديدْ,
- في عروقٍ بَعْضُها حُمَّى ربيعٍ
- وجحيمٌ يبْتَلينا
- بعضُها صمتٌ ثقيلٌ وجليدْ,
- إنْ يكنْ, ربَّاهُ,
- لا يُحيي عروقَ الميِّتينا
- غيرُ نارٍ تلدُ العنقاءَ, نارْ
- تتغذَّى من رمادِ الموتِ فينا,
- في القرارْ,
- فَلْنعانِ من جحيمِ النارِ
- ما يمنحُنا البعثَ اليَقينا:
- أُممًا تنفضُ عنها عفنَ التاريخِ,
- واللعنَةَ, والغيبَ الحزينا
- تنفُضُ الأمسَ الذي حجَّرَ
- عَينَيها يواقِيتًا بلا ضوءٍ ونارْ,
- وبحيراتٍ من الملحِ البوارْ,
- تنفُضُ الأمسَ الحزينا
- والمهينا,
- ثم تحيا حُرةً خضراءَ تزهو وتُصلِّي
- لصدى الصبحِ المطلِّ
- وتُعيدْ
- مِن ضِفاف "الكنجِ" "للأردنِّ" "للنيلِ"
- تصلِّي وتُعيدْ:
- يا إِله الخصبِ, يا تمُّوزُ, يا شمسَ الحصىدْ
- بارِكِ الأرضَ التي تُعطي رجالاً
- أقوياءَ الصُّلبِ نسلاً لا يَبيدْ
- يَرثونَ الأرضَ للدهرِ الأبيدْ,
- باركِ النَسل العَتيدْ
- باركِ النَسل العَتيدْ
- باركِ النَسلَ العتيدْ
- يا إله الخصبِ, يا تموزُ, يا شمسَ الحصيدْ
المزيد...
العصور الأدبيه