الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> خليل حاوي >> بعد الجليد !! >>
قصائدخليل حاوي
- ( 1 ) في الصومعهْ
- بيني وبينَ البابِ أقلامٌ وَمِحْبرةٌ,
- صَدًى متأفِّفٌ,
- كُوَمٌ من الوَرَقِ العتيقْ.
- هَمُّ العبورِ,
- وخطوةٌ أو خطْوتانِ
- إلى يقين البابِ, ثمَّ إلى الطريقْ
- *************
- ( 2 ) كذبٌ,
- دَمي ينحَرُّ, يشتمني, يَئنُّ:
- إِلى متى أزني, وأبصِقُ
- جَبهتي, رِئَتي
- على لقبٍ وكرسيٍّ
- أُضاجعُ مومياءْ?
- أنا لستُ منكمْ طغمةَ النسَّاكِ
- واللحمَ المقدَّدَ في خلايا الصومعَهْ
- لن يستحيلَ دمي إلى مصْلٍ
- كذبتُ, كذبتُ,
- جرُّوني إلى الساحاتِ, عرُّوني
- اسلخوا عنِّي شِعَارَ الجامعَهْ
- *************
- ( 3 ) اَلنَّاي
- "اِبني, وقاهُ اللهُ, كنزُ أبيهِ,"
- "جسرُ البيتِ, يحملُ همَّنا همًّا ثقيلْ"
- "... اَلعامُ خلفَ البابِ يا بِنْتي, يعودُ"
- "غدًا, يعودُ إِليكِ, بَعْضَ الصَّبرِ"
- "سوفَ يعُودُ, واللهُ الكفيلْ."
- ***
- ولربَّما ماتَتْ غدًا
- تلكَ التي يبسَتْ على اِسمي
- ومصَّ دماءَها شَبحِي
- وما احتفلتْ بلذَّاتِ الدماءْ,
- ماتَتْ مع النايِ الذي تهواهُ
- يسْحَبُ حزنَهُ عَبْرَ المساءْ
- ومع الورودِ متى التوَتْ
- بيضاءَ, ينسجُ عُرسهَا ثلجُ الشتاءْ
- طولَ النهارِ
- مدى النهارْ
- تنحلُّ في عَصَبي جِنازَتُها
- يحزُّ النَّايُ فيهِ
- وما يزيحُ عنِ القرارْ:
- ماتَتْ وما احتفلتْ وما عَرَفَتْ
- رَفَاهَ يدٍ تُظلّلُها ودارْ.
- *************
- ( 4 ) الرِّيح
- طولَ النهارِ
- مدى النهارْ
- رَبّي متى أَنشقُّ عن أُمِّي, أَبي
- كُتُبي, وصومَعَتي, وعَن تلكَ التي
- تحيا, تموتُ على انتظارْ
- أطأُ القلوبَ, وبينها قلبي,
- وَأَشرَبُ من مراراتِ الدروبِ بلا مرارَهْ,
- ولعلَّ تخصِبُ مرة أُخرى
- وتعْصِفُ في مدى شَفَتِي العِبارَهْ.
- دربي إلى البدويَّةِ السمراءِ
- واحاتِ العَجينِ البكرِ,
- والفجواتِ أَوديةِ الهجيرْ,
- وزوابعِ الرملِ المريرْ.
- تعصَى وليْسَ يَرُوضُها
- غيرُ الذي يتقمَّصُ الجَمَلَ الصَّبُورْ
- وبقلبهِ طفلٌ يكوِّر جنَّةً,
- غيرُ الذي يقتاتُ من ثَمَرٍ عجيبْ:
- نِصْفٌ من الجنَّاتِ يسقطُ في السلاَلْ
- يأْتي بلا تَعَبٍ حلالْ
- نصْفٌ من العَرَقِ الصَّبيبْ.
- اَلشوكُ ينبتُ في شقوقِ أظافِري
- اَلشوكُ في شفتيَّ يمرجُ باللهيبْ
- ... في وجهها عَبَقُ الغريزةِ
- حين تصْمتُ عن سؤَالْ
- ... نهضَتْ تلمُّ غرورَ نهدَيْها
- وتنفضُ عن جدائلها حكاياتِ الرمالْ,
- تحدو, تدورُ كما أُشيرُ بإصبعِي
- ولربَّما اصطَادَتْ بُروقًا
- في دهاليزي تمرُّ وما أَعي
- وبدونِ أَن أُملي الحروف وأَدَّعي
- تحدو, تدورُ, تزوغُ زوبعَةً طروبْ
- وأَرى الرياحَ تسيحُ; تنبعُ
- من يدَيْها:
- منبعَ الريحِ المعطَّرةِ الجنوبْ
- ومنابعَ الريحِ الطَّريَّةِ والغضوبْ
- للريحِ موسمُها الغضوبْ.
- ***
- وحدي مع البدويةِ السمراءِ
- كنتُ مع العِبارَهْ
- في الرملِ كنتُ أَخوضُ
- عَتْمَتهُ ونارَهْ
- شربُ المراراتِ الثقالِ
- بلا مرارَهْ.
- ***
- ريحٌ تهبُّ كما تشيرُ عبارتي
- للريحِ موسمُها الغضوبْ,
- للريحِ جوعُ مَبارِدِ الفولاذِ
- تمسحُ ما تحجَّرَ
- من سياجات عتيقَهْ
- ويعُود ما كانت عليهِ
- التربةُ السمراءُ في بدء الخليقَهْ
- بكرًا لأوَّلِ مرَّةٍ تشهَى
- بحضنِ الشمسِ, ليلُ الرعدِ
- يوجعُها وتَسْتَمْري بروقَهْ
- ماذا سوى أَرضٍ تَعُبُّ
- الحلْمَ, تُنبِتُهُ كرومًا والكرومُ
- لها شروشُ السنديانِ,
- لها عروق السنديان
- وَرَفَاهُ فيءِ البيلسانْ,
- ماذَا سوى عَقْدِ القبابِ البيضِ
- بيتًا واحدًا يزهو بأَعمدةِ الجباهْ
- يزهو بغاباتٍ من المُدُنِ الصَّبايا
- لِين أَرصفةٍ وَجَاهْ
- أَيصحُّ عَبْرَ البحرِ تفسيخُ المياهْ?
- ***
- وأرى, أَرى الطَاووسَ يُبْحِرُ
- في مراوحِ ريشهِ,
- نشوانَ يبحر وهو في ظلِّ السياجْ
- ويظُنُّ أَنَّ الوردَ والشِّعْرَ المنمَّقَ
- يسترانِ العَارَ في تكوينهِ والمهزلَهْ
- في صدره ثديانِ
- ما نبتَا لمرضعَةٍ
- ولا للعَانسِ المُسْترجلَهْ
- ثديانِ يأْكلُ منهما عسلاً
- ويحصدُ منْهما ذهبًا وعاجْ
- لو يستحقُّ صلبتُهُ
- ما شأنهُ بصَلِيبِ إيمانٍ
- يسوقُ لجُلْجُلَهْ
- وكَّلْتُ ريحَ الرملِ
- تعْجنُهُ بوحلةِ شارعٍ أَو مزبلَهْ
- هو والسياجْ
- وطيوبُ ثديَيْهِ وما حصَداهُ
- من عَسلٍ وعاجْ
- في موسم الريحِ الغضوب
- مَسْحُ السياجات العتيقة في العقولِ
- وفي الدروبْ
- *************
- ( 5 ) الناسك
- ألنَّاسكُ المخذولُ في رأْسي
- يُطِلُّ عليَّ, يَسألني, يَحَارْ
- "أَهملتَ فرضَكَ",
- "هَلْ جُنِنْتَ فرحتَ تحلُمُ في النهارْ"
- "حلم النَّهَارْ"
- "مدى النَّهَارْ?"
- "هلْ كنْتَ تتبعُ ذلكَ الجنِّيَّ"
- "هل أغواكَ شيطَانُ المغارَهْ?"
- وحدي مع البدويةِ السمراءِ
- كنْتُ مع العبارَهْ
- في الرملِ كنْتُ أَخوضُ
- عَتْمتَهُ ونارَهْ,
- شربُ المراراتِ الثِقالِ
- بلا مرارَهْ.
- - "أَلغازُ مجنونٍ" وعاد
- لغرفةِ الآثارِ في رأْسي,
- وللسلعِ العَتيقةِ,
- عاد منخَلعَ الوقارْ.
- *************
- ( 6 ) طولَ النَّهارِ
- مدى النهارْ
- اَلحينُ بعْدَ الحينِ تعْبرُ جَبْهَتي
- صُوَرٌ وتنْبتُ في الطَّريقْ
- صورٌ يشوِّهُها الدوارْ
- أُمِي, أَبي, تلك التي
- تحيا تموتُ على انتظارْ.
- اَلنَّاسك المخْذولُ في رَأسي
- يشدُّ قُواهُ ينهرني, أُفيقْ:
- بيني وبين البابِ
- صحراءٌ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
- وادٍ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
- عمرٌ من الورقِ العَتيقْ
المزيد...
العصور الأدبيه