الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد حسن فقي >> حيرة .. وصيرورة >>
قصائدمحمد حسن فقي
- اتَيْتُ إلى الدُّنيا وما كنْتُ مُختْارا
- ولو أَنَّني خُيَّرتُ ما اخْتَرْتُها دارا!
- فلو كنْتُ لم أُخْلَقُ لما كنْتُ آثِماً.. ولا كنْتُ مَغروراً.. ولا كنْتُ مِهْذارا!
- ولا ابْتَهَجَتْ نَفْسي بما كان مُخْزِياً
- ولا انْفَجَعتْ نَفْسي بما كانَ قَهَّارا!
- فقد عِشْتُ فيها ماجِناً مُتهافِتاً
- على مُتَع عادتْ هُموماً وأَوْزارا..!
- شقاءٌ طُفُولِيٌّ.. شقاءٌ مُراهِقٌ
- شقاءُ شبابٍ كانَ قَصْفاً وإعْصارا!
- وشَيْخُوخةٌ ناءتْ بأفْدَحِ شِقْوَةٍ
- فلم تَلْق إلاَّ ما يُلَطِّخُها قارا!
- ولو أَنَّني لم آتِ.. كنْتُ هَباءةً
- فلا تَبْتَغي أَهْلاً. ولا تَبْتَغي دارا!
- ولا تَبْتَغي المَجْدَ المُؤَثَّل رافِعاً
- مكانَتَها.. يَشْدُو به النَّاسُ أَشْعارا!
- ولا تَبْتَغي المالَ الذي يُسْكِرُ النُّهى
- فما تَجْتَوِي خزياً.. ولا تَجْتَوي عارا!
- مُبَرَّأَةً مِن كلِّ عَيْبٍ لأَنَّها
- سَدِيمٌ. فما لاقى هَواناً.. ولا جارا!
- ولو كُنْتُهُ.. ما كانَ لي من ظُلامَةٍ
- عَلَيَّ. ولا مِنِّي. ولا كنْتُ غَدَّارا!
- وها أنا في هذي الحياةِ مُرَزَّأٌ
- أُغادِرُ أَنجاداً.. وأَسْكُنُ أَغْوارا!
- ويَصْحَبُني الأَخْيارُ حِيناً فأَسْتَوِي
- على مَلَلٍ مِنْهم. وأَصْحَبُ أشْرارا!
- أَبِيتُ على هَمٍّ بِهِ. يَلْتَوي الحَشا
- وهُم جُثَّمٌ صَرْعى. عَشِيّاً وإِبِكارا!
- يَعيشُونَ صُبْحاً كالبَهائِمِ رُتَّعاً
- بلا زَاجِرٍ يَلْوِي. ويُمْسُونَ فُجَّارا!
- * * *
- على أنَّ حَوْلي مَعْشَراً مُتَرَفِّعاً
- عن اللَّهْوِ أطْهاراً كَرُمْنَ. وأَبْرارا!
- تمنيت أَنِّي مِثْلَهم فَتَعَثَّرَتْ
- خُطايَ. فأجْريْتُ المَدامِعَ مِدْرارا!
- ألا لَيْتَ أَقْدارِي سَخَوْنَ كما سَخَتْ
- عليهم.. وأعْطَتْني فكنْتُ لهم جارا!
- وعُدْتُ فآثَرْتُ اصْطِباري فَرُبَّما
- وَجَدْتُ بإيمانِي.. على الوِزْرِ أَعْذارا!
- فقد كان يُشْقِيني. وإنْ كنْتُ أَشْتَهي
- به ثَمَراً يَحْلو مَذاقاً.. وأزْهارا!
- وقد كنت لا أرضى به ثم انثنى
- إليه عَمِيّاً.. يَحْسَبُ الآلَ أَنْهارا!
- ولَمَّا يَجِدْ ماءً يَبُلُّ به الصَّدى
- ولا وَشْلاً. ما أَرْخَصَ الخُسْرَ مِقْدارا!
- أرى عَدَمي خَيْراً مِن العَيشِ خِاضِعاً
- لأَهْوائِهِ. جَهْراً صَفِيقاً وإشرارا!
- تَمَنَّيْتهُ.. لكنَّني جِئْتُ لِلدُّنى
- فَحُمِّلْتُ أَوْزاراً. وحُمِّلْتُ أوْضارا!
- وحاوَلْتُ أَنْ أَحْيا بَرِيئاً من الخَنى
- فما اسْطَعْتُ عنه. وهو يُهْلِكُ إدْبارا!
- بَلى.. رُحْتُ أَدْعُوه فَيُقْبِلُ تارَةً
- ويُعْرِضُ أُخْرى.. شادِياً ثم زَآرا..!
- ونَفْسِيَ مِعْوانٌ له.. وهو عارِفٌ
- بِهذا. وما يُرْضِ على اللَّهْو أَسْتارا!
- أَلَسْتُ إذا ما لَم أَكُنْ.. كنْتُ ناجِياً
- وكَيْنُونَتي هذى سَتُورِدُني النَّارا؟!
- فكيْفَ نَجَاتِي مِنْهُ وهو مسيطرٌ
- عليَّ وإنْ كانَ المُسَيْطِرُ جزَّارا؟!
- * * *
- ويا مَنْ هَداني بَعْدَ غَيِّي تبارَكَتْ
- أيادِيكَ واسْتَعْلَتْ.. فقد كُنْتَ غَفَّارا!
- فما أتمنّى اليوم أنْ لو تَحوَّلَتْ
- حياتي هباءً.. بَعْدَ أنْ صِرْتُ مِغْوارا!
- بلى.. أتمنَّاها حياةً قَرِيْرَةً
- تجوب الذُّرى حتى تُكَلِّلُها الغارا!
- سأُعْرِضُ عمَّا لا أَوَدُّ وقد بدَا
- لِيَ النُّورُ غَيْثاً بالهدايَةَ دَرَّارا!
- وكلاَّ. فإنِّي أتَّقيها بِصَحْوَةٍ..
- تَبَيَّنْتْ منها أَنَّني كنْتُ كفَّارا..!
- وكانَ أَمامي الرُّشُدُ والْغَيُّ فانْبَرى
- إلى الغَيِّ رُوحِي يَنْشُدُ اللَّهْوَ والبارا!
- فَناءَ بِما يُدْمِي الحشَا مُتَرَنحِّاً..
- بِسُكْرَيْهِما حتى هَوى الرَّوحُ مُنْهارا!
- * * *
- فيا صَحْوَةً قد أَسْعَدتْني بِرَجْعَةٍ
- إلى الرُّشْدِ.. وِرْداً كَوْثرِياً وإِصدارا!
- تباركتِ. إنَّ الرُّشْدَ كانَ بِشارَةً
- لِنَفْسي. وإِنَّ الغَيَّ قد كان إنْذارا!
- وها أنا في يَوْمي أُهَلِّلُ بالمُنى
- تَحَقَّقْنَ بعد اليَأْسِ تَبْزُغُ أَقْمارا!
المزيد...
العصور الأدبيه