الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> نازك الملائكة >> خرافات >>
قصائدنازك الملائكة
- قالوا الحياة
- هي لونُ عينَيْ ميّتِ
- هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ
- أيامُها المتجعداتْ
- كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ
- أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ
- ووراءَ بسمتِها المَنُونْ
- قالوا الأملْ
- هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ
- في صورةٍ فوق الجدارْ
- هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ
- في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ
- وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ
- أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ
- قالوا النعيمْ
- وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ
- في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ
- في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ
- في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ
- في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ
- قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ?
- قالوا السكونْ
- أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ
- يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ
- لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ,
- وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ, ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ,
- غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ
- قالوا الشباب
- وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ
- تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ
- وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ
- وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ
- وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ
- مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ
- قالوا الخلودْ
- ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ
- فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ
- ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ
- غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ
- غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء!
- قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ
- قالوا القلوبْ
- ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ
- لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ
- جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ
- وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ
- وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ?
- يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ
- قالوا العيونْ
- ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ
- وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ
- وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ
- عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ
- وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ
- زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ
- قالوا وقالوا
- ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ
- في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ
- المتعبونَ بلا ارتياحْ
- الضائعونَ بلا انتهاءْ
- قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ
- يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ!
المزيد...
العصور الأدبيه