الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أمل دنقل >> البكاء بين يدي زرقاء اليمامة >>
قصائدأمل دنقل
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة
أمل دنقل
- أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
- جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
- أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
- منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
- أسأل يا زرقاءْ ..
- عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
- عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
- عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
- عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
- فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
- عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
- أسأل يا زرقاء ..
- عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
- عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
- كيف حملتُ العار..
- ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
- ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
- تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
- تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ
- لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
- تلعقَ من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
- تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان
- لا اللَّيل يُخفي عورتي .. ولا الجدران !
- ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..
- ولا احتمائي في سحائب الدخان !
- .. تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة
- ( - كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق
- فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ
- وحين مات عَطَشاً في الصحراء المشمسة ..
- رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..
- وارتخت العينان !)
- فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟
- والضحكةُ الطروب : ضحكته..
- والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟
- * * *
- أيتها النبية المقدسة ..
- لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
- لكي أنال فضلة الأمانْ
- قيل ليَ "اخرسْ .."
- فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
- ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
- أجتزُّ صوفَها ..
- أردُّ نوقها ..
- أنام في حظائر النسيان
- طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
- وها أنا في ساعة الطعانْ
- ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
- دُعيت للميدان !
- أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
- أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
- أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
- أدعى إلى الموت .. ولم أدع الى المجالسة !!
- تكلمي أيتها النبية المقدسة
- تكلمي .. تكلمي ..
- فها أنا على التراب سائلً دمي
- وهو ظمئً .. يطلب المزيدا .
- أسائل الصمتَ الذي يخنقني :
- " ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
- أجندلاً يحملن أم حديدا .. ؟!"
- فمن تُرى يصدُقْني ؟
- أسائل الركَّع والسجودا
- أسائل القيودا :
- " ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
- " ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
- أيتها العَّرافة المقدسة ..
- ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
- قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ ..
- فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !
- قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار ..
- فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار !
- وحين فُوجئوا بحدِّ السيف : قايضوا بنا ..
- والتمسوا النجاةَ والفرار !
- ونحن جرحى القلبِ ،
- جرحى الروحِ والفم .
- لم يبق إلا الموتُ ..
- والحطامُ ..
- والدمارْ ..
- وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
- ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ،
- وفي ثياب العارْ
- مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة !
- ها أنت يا زرقاءْ
- وحيدةٌ ... عمياءْ !
- وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
- والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
- فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
- كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
- في أعين الرجال والنساءْ !؟
- وأنت يا زرقاء ..
- وحيدة .. عمياء !
- وحيدة .. عمياء !
المزيد...
العصور الأدبيه