قصائدمحمد مظلوم



موت كلكامش
محمد مظلوم



  • [ عن إيابه بلا صحراء]

  • أيها الموت

  • صديقي أيها الموت..

  • ها أنت تعيدُني إليكَ من أمومةٍ مشاعةٍ،

  • ها أنتَ تشْبَخُ، من فوق ظلال أبنائك النائمين،

  • لتَسطو على امرأتك،

  • وتنجبَ منها زوجةً لي،

  • ها أنت تأخذني من حسد وجيز،

  • فأستيقظُ منك كي أنام.

  • في ما مضى،

  • أخذني منك أصدقاءٌ فرحون بمراثٍ لا تستحقهم.

  • كم مرةً ناديتني، أتذكر؟

  • كان صوتك يتدحرج في منحدرات غامضة،

  • وهو يلقي

  • عليَّ وصيةَ الكامنين له في منعطف صغير.

  • أتذكُرُ..؟

  • عندما ـ نحنُ رهائنَ المستقبل ـ تلثَّمنا بملامحنا

  • وعبرنا مضيق السنة الأخيرة،

  • أتَذكُر يا صديقي؟

  • كانت السنةَ الأخيرةَ من حربٍ متأخرة،

  • مراهقون لا شتاء يسميهم،

  • دائماً يحصلون عليك بآبائهم،

  • ودائماً

  • نشيدك التائه يغويهم،

  • فينحدرون بهزائم لا تسميهم.

  • يصل آباؤنا،

  • وجنازاتهم تُطلُّ على شتاء هارب.

  • يصلون،

  • بعد أن يبيعوا جلودهم لصحراء مكهربة.

  • كيف لي يا صديقي،

  • أن أدلهم على عنوانك؟

  • مرضى بإفادات عن اللاجئين إلى الندم،

  • موتى على أسرَّة تَروي وحشة اللاحقين.

  • زرعتَ لِيْ ألغامَك في كل نوم..

  • أتذكرك في عيون أصدقائي،

  • هبطت فيها سبعُ سماوات،

  • وأيديهم التي سقطتْ منها بقية الأرض.

  • أتذكرك، يا صديقي،

  • في أعناق أصدقائي المصلوبين إلى مشانق تستدير،

  • ولا تتلفت معهم.

  • أتذكرك، وأنت تحرسني،

  • في معارك تجتازني مصادفاتها.

  • أتذكرك، في انقفال أبواب الدبابة،

  • وهي تعبر غابات (التاو)

  • في الأشجار التي تُنيم مصائدَها عندما أقترب،

  • أتذكرك،

  • في جثثٍ مكبوبة على الوجوه، تصرخ: أنا.

  • في السفر إليك،

  • لم يكن معي غيرُك،

  • أيها السفر أليه،

  • لم أستدل على طرقي إلاّ لأتشتّتَ

  • في مواجهات مع آثارٍ مخادعة،

  • لم أتقدم لإطلاق طيورك مني

  • إلاّ عند هبوبك فيَّ.

  • أُجراؤك يوقعون بيننا

  • وأنتَ أوّلُ مَن يعرفني من الأصدقاء!

  • أُجراؤكَ تَفضَحهُم شمسُ أبَديتكَ

  • حيث لا ظلامَ مُقَدَّساً لأيامهم.

  • … وهكذا,

  • كأرواح ـ بلا عينين ـ مقيدةٍ بحبل،

  • هذه السماء ليست لأحد،

  • كحربة يقودها الليل إلى بساتين خائفة.

  • أصطدم، دائماً، بمذكراتك، لدى من دونوا رسائلك،

  • أصطدم، بأدويةٍ بقيت منهم في صناديق الدبابات،

  • الدبابات المعاقة في معارك سابقة،

  • بأدوات حلاقة، كان يستخدمها الظلام،

  • مطلية بغبار الخنادق.

  • في المستشفيات، كم نافستني عليهم؟

  • والتقطتَ صورة أخيرة لهم،

  • ولم تترك لي نسخة عنها!

  • في المستشفيات، كم ربتَّ على كتفيَّ؟

  • واعتذرت، معي للزوار وهداياهم المردودة.

  • أتذكر يا صديقي؟

  • ونحن نعبر خابور الحزن إلى ظلالنا المالحة؟

  • حيثُ ألسنةُ الميتين تروي حياتنا،

  • أتذكر، كم من السابقين عبروا منِّي،

  • وما انبثقوا ـ إلى الآن ـ أمامي؟

  • أيتامك يا صديقي، أكثر من أبنائك،

  • هؤلاء ملفقون، لأسمائهم منفى، ولا منفى لسمائهم،

  • وأولئك كانوا معي،

  • قبل أن تعطيهم الحرب عنوانك.

  • أما أنا،

  • فلديَّ ـ إليك ـ نصفُ عنوانٍ من هؤلاء،

  • ونصفٌ من أولئك،

  • فإلى أين أوجه رسائلي؟

  • أيتامُك أمواتك لكنَّهم فرحون!

  • مع صفارة الإنذار،

  • كان جوعُك الأفريقي يترصد ما تلقيه الطائراتُ،

  • وما تطبخه النيرانُ من ذكرياتنا.

  • فكم أبقيتَ من نسيانٍ لأعرفك؟

  • كم سميت لي من أحفادٍ،

  • لأشتبه بسلالتك الصمّاء؟

  • صديقي أيها الموت.

  • والأطفال…؟

  • طالما استدرجَتهم حلواك،

  • إلى نهر بلا ضفتين،

  • أو لوّنتَ لهم ألعابك،

  • قبل أنْ تسرقَ السياراتُ لوناً نائماً،

  • قاطعةً طريقَه إلى ذهب أعمى.

  • كنت أحسَبُ إنَّ ربيعَك محصورٌ

  • في قطاع( 50) في مدينة الثورة،

  • حيث عجائزُ ـ وحسب ـ يحصدون حقولك،

  • وكنت أطلُّ على تعبهم الأخير،

  • من بين زحمة المودعين.

  • لمْ أدرِ أنَّ خريفك يمتدُّ

  • إلى سحنات تنقصها الذكرياتُ،

  • لمْ أدْرِ أنَّ سنتك الكبيسة

  • مأهولة بما لا يعدُّ من أحذية الداخلين!

  • ولا آثار لعودتهم سوى أخبارك بيننا.

  • صديقي أيها الموت!

  • من أين لأسنانك كلُّ هذا الحنان

  • لتربي صرخة مقطوعةَ القدمين؟

  • من أين لأسرَّتك كلُّ هذا اليأسِ

  • لتعدَ جهاتٍ مهجورة،

  • لتحظى بأحلام من ناموا بلا ليلٍ،

  • وتعيدَهم إلى رعشة بيضاء هناك.

  • لا أدري،

  • لماذا يذبل أسبوعك في المحطات،

  • عندما يأكل الغرباء مسدساتهم وينامون؟

  • المسدسات، لا أسماء لهروبها،

  • لا ملامح لشبهاتها،

  • ولا مواعيد لنومها،

  • المسدسات فوضى الله حين يختار أعداءَهُ.

  • مِن على السطح، تومئ لي

  • بكفٍ محناة وفي بنصرها خاتم من شهوات،

  • بجهشات طفولة تُرَجِّفُ الوحْشةَ،

  • بالحياةِ، تواصلُ نعينا ونستمرُّ نومئ بلا يدين!

  • أتذكر؟

  • عندما ازدحموا في الحافلة،

  • وكنت تقودها بلا أحد منهم ـ سوى ازدحامهم! ـ

  • أتذكر؟

  • كانوا يستردون حواسهم

  • عند كلِّ أبدٍ في الطريق إلى البداية المجهولة،

  • وكنت تفرك عينيك،

  • أمام عناوينهم التي يهبطون، فجأة، عندها،

  • عناوينهم التي لا تتذكرها لترسلها لنا.

  • صديقي أيها الموت،

  • لم تصلني رسائلك،

  • مع أنني أرسلها دائماً!

  • ولم أكذب وصيتهم الوحيدة،

  • مع أنهم تركوها على جسدك المفقود.

  • نتكرر بعد كل نوم،

  • وتتأخر أنت،

  • صديقي أيها الموت .



أعمال أخرى محمد مظلوم



المزيد...

العصور الأدبيه

اغرب الرياضات في العالم لم تسمع عنها من قبل !

اغرب الرياضات في العالم لم تسمع عنها من قبل !



أهم 12 نصيحه عند شراء شقتك بالتقسيط