الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> ما ماسَ مُنعطِفاً في قُرطَقٍ وقَبَا، >>
قصائدصفي الدين الحلي
ما ماسَ مُنعطِفاً في قُرطَقٍ وقَبَا،
صفي الدين الحلي
- ما ماسَ مُنعطِفاً في قُرطَقٍ وقَبَا،
- إلاّ وعوذتهُ من غاسقٍ وقبَا
- ظبيٌ نَبا سَيفُ صَبري في مَحبّتِهِ،
- وطِرفُ عَزمي بمَيدانِ السلوّ كَبَا
- مُتَرَّكُ اللّحظِ في أخلاقِهِ دَمَثٌ،
- مُستَعرِبُ اللّفظِ تركيٌّ إذا انتَسَبَا
- يرمي بسهمٍ من الأسقامِ أسهمني
- عن حاجبِ للكرَى عن ناظري حجبَا
- صَعبُ القِيادِ، فإن راضَتْ خلائِقَهُ
- كأسُ المدام الانتْ منهُ ما صعبَا
- وليلة ٍ جادَ لي عدلُ الزمانِ بهِ،
- فلَم يُفِدْ بعدَها جُوداً ولا ذَهَبَا
- سقيتُ من يدهِ طوراً ومن فمهِ
- كأسَيْ سُلافٍ تُزيلُ الهَمّ والكُرَبَا
- في جَنّة ٍ من رِياضِ الحَزنِ غاليَة ٍ،
- يضاحكُ الزهرُ من نوارشها السحُبَا
- قد أفرَشَتنا من الرّوضِ الأنيقِ بها
- بسطاً، ومدّ علينا دوحها طنبَا
- بتنا بها ليلة ً رقتْ شمائلُها،
- كيَومِها يَستَجِدّ اللّهوَ والطّرَبَا
- أسقي نَديمي بها، إذ غابَ ثالِثُنا،
- إذا شربتُ، ويسقيني إذا شربَا
- من قَهوَة ٍ كشُعاعِ الشّمسِ مشرِقَة ٍ،
- إذا جرى الماءُ فيها أطلعتْ شهبَا
- شعشعتها فأضاءَ الشرقُ منبلجاً
- بها، وقامَ لها الحرباُ منتصبَا
- حتى إذا أمَحَلَتْ منها زُجاجَتُنا،
- وظلّ منها غديرُ الدنْ قد نضبَا
- نَبّهتُ راهبَ دَيرٍ كانَ يُؤنِسُنا
- ترجيعهُ الصوتَ إن صلّى وإن خطبَا
- بادرتهُ، وقرعتُ البابَ واحدة ً
- قرعاً توسمَ من إخفائهِ الأدبا
- فقامَ يَسحَبُ بُردَيهِ على مَهَلٍ،
- فما استشاطَ بنا خوفاً ولا رعبا
- وجاءَ يَسألُ عَمّا ليسَ يُنكِرُهُ
- مما نرومُ، ولكنْ يثبتُ الطلبَا
- فقلتُ: ضَيفٌ مُلِمٌّ غيرُ ذي طَمَعٍ
- في الزادِ، لكنّه يرضَى بما شربَا
- فأطلَقَ البابَ إذناً في الدّخولِ لَنا،
- وقال: هذا عَلَينا بعضُ ما وَجَبَا
- وجاءنا بسلافٍ نشرها عبقٌ،
- شَمطاءُ قد عُتّقَتْ في دَنّها حِقَبَا
- أفنى المَدى جِرمَها حيناً، فلَو مكَثَتْ
- في الدّنّ حولاً لكادَتْ أن تَطيرَ هَبَا
- فأترَعَ الكأسَ حتى فاضَ فاضلُها،
- بكفهِ وسقاني بعدما شربا
- فمُذ رأينا سروراً في أسرّتِهِ
- تَبدو وكَفّاً لهُ بالنّورِ مُختَضِبَا
- كِلنا لهُ فضّة ً بالكَفّ فاضِلَة ً
- عنّا، وكالَ لنا من دونهِ ذهبَا
- من قَهوَة ٍ حَجَبوها في مَعابِدِهم،
- وعَلّقُوا حَولَها الأستارَ والصُّلُبَا
- فبتُّ أسقي نديمي من سلافتِها،
- راحاً تكونُ إلى راحاتِهِ سببَا
- ما زلتُ أسقيهِ حتى مالَ جانبهُ
- إلى الوِسادِ وأغفَى بعدَما غُلِبَا
- حتى إذا قدّ ذيلُ الليلِ من دبرٍ
- بها وسل علينا صبحُها قضبا
- ومَدّ باعُ الضّحَى كَفّاً أنامِلُها
- تُزجي الشّعاعَ وأخرَى تَلقَطُ الشُّهُبَا
- نَبّهتُهُ وجَبينُ الصّبحِ مُندَلِقٌ،
- وقد دَنا أجَلُ الظّلماءِ واقتَرَبَا
- فقامَ يَمسَحُ عَينَيهِ براحَتِهِ،
- والنّومُ يعقدُ من أجفانِهِ الهُدُبَا
- عاطيتهُ، وحجابُ الليلِ منخرقٌ،
- راحاً تخرقُ من لألائها الحجبَا
- عَذراءَ تَعلَمُ أنّ الماءَ والدُها،
- وتَستَشيطُ، إذا ما مَسّها، غَضَبَا
- إذا أصابَ لجينُ الماءِ عسجدها،
- أرتكَ دراً يريكَ الدرّ محتلبَا
- وبِتُّ في طيبِ عَيشٍ رقّ جانبُهُ،
- مُرَفَّهَ البالِ لا أخشَى بِهِ نَصَبَا
- بتنا نقضيهِ، والأيامُ تنشدنا:
- ما كلَّ يومٍ يَنالُ المَرءُ ما طَلَبَا
- والدهرُ قد غفلتْ أيامهُ، وغدتْ
- بطيبِ ساعاتهِ تستوقفُ النوبَا
- فلا تضعُ ساعة ً كانتْ لنا هبة ً،
- من قبل أن يَستردّ الدّهرُ ما وَهَبَا
المزيد...
العصور الأدبيه