الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> حبلُ المنى بحبالِ اليأسِ معقودُ، >>
قصائدصفي الدين الحلي
حبلُ المنى بحبالِ اليأسِ معقودُ،
صفي الدين الحلي
- حبلُ المنى بحبالِ اليأسِ معقودُ،
- والأمنُ من حادِثِ الأيّامِ مَفقودُ
- والمرءُ ما بينَ أشراكِ الرّدى غَرَضٌ
- صَميمُهُ بسِهامِ الحَتفِ مَقصُودُ
- لا تَعجبنّ، فما في الموتِ من عَجبٍ،
- إذ ذاكَ حدٌّ به الإنسانُ مَحدودُ
- فالمستفادُ من الأيامِ مرتجعٌ،
- والمستعارُ من الأعمارِ مردودُ
- وللمَنيّة ِ أظفارٌ، إذا ظَفِرَتْ،
- رأيتَ كلّ عَميدٍ وهوَ مَعمُودُ
- لم يَنجُ بالبأسِ منها، مع شَراسَتِهِ،
- ليثُ العَرينِ، ولا بالحيلة ِ السيِّدُ
- قد ضلّ من ظنّ بعضَ الكائناتِ لها
- مَكثٌ، وللعالَمِ العُلويّ تَخليدُ
- ألَم يقولوا بأنّ الشّهبَ خالِدَة ٌ
- طبعاً، فأينَ شهابُ الدينِ محمودُ
- مَن كانَ في علمِهِ بَينَ الوَرى علَماً
- يُهدى بهِ إن زَوَتْ أعلامَها البِيدُ
- ومن روتْ فضلهُ حسادُ رتبته،
- وعَنعَنَتْ عن أياديهِ الأسانيدُ
- فضلٌ بهِ أوجهُ الأيامِ مشرقة ٌ،
- كأنّهُ لحُدودِ الدّهرِ تَوريدُ
- مهذبُ اللفظِ لا في القولِ لجلجة ٌ
- منهُ، ولا عندَهُ في الرّأيِ تَرديدُ
- لا يهدمُ المنُّ منهُ عمرَ مكرمة ٍ،
- ولايعمدُ بالمطلِ المواعيدُ
- إن كان يُقصَدُ مَقصودٌ لبَذلِ ندًى
- فإنّهُ للنّدى والفَضلِ مَقصودُ
- لهُ اليراعُ الذي راغَ الخطوبَ بهِ
- في حلبة الطرسِ تصويبٌ وتصعيدُ
- أصمُّ أخرسُ مشقوقُ اللسانِ، إذا
- طارحتهث سمعتْ منهُ الأغاريدُ
- إن شاءَ تَسويدَ مُبيضِّ الطّروسِ فمن
- إنشائِهِ لبَياضِ النّاسِ تَسويدُ
- لو خَطّ سَطراً ترى عكسَ القياسِ به:
- الشمسُ طالعة ٌ، والليلُ الأناشيدُ
- رشيقة ُ السبكِ لا المعنى بمبتذلٍ
- منها ولا لفظُها بالعسفِ مكدودُ
- يا صاحبَ الرّتبَة ِ المَعذورِ حاسِدُها؛
- إنّ السّعيدَ على النّعماءِ مَحسودُ
- ما شامَ بعدكَ أهلُ الشامِ بارقة ً
- للفَضلِ حينَ ذَوَى من ربّهِ العُودُ
- إليكَ قد كانَ يعزى العلمُ منتسباً،
- واليومَ فيكَ يعزّى العلمُ والجودُ
- كماخطبة ٍ لك راعَ الخطبَ موقعُها،
- وكم تقلد منهُ، الدهرَ، تقليدُ
- ولَفظَة ٍ لا يَسُدّ الغَيرُ مَوضِعَها،
- غَرّاءَ تُحسَبُ ماءً، وهيَ جُلمودُ
- وجَحفَلٍ لجِدالِ البَحثِ مُجتَمعٍ،
- كأنّهُ لجِلادِ الحَربِ مَحشُودُ
- قد جَرّدَ الشّوسُ فيه قُضبَ ألسنَة ٍ،
- في مَعرَكٍ يومُهُ المَشهورُ مَشهُودُ
- بصارِمٍ لا يردّ الدّرعُ ضَربتَهُ،
- ولو سنى نسجهُ المردودَ داودُ
- حتى إذا نكصَ القومُ الكميُّ به،
- وأعوَزتْ عندَ دَعواهُ الأسانيدُ
- ألقوا مقاليدهم فيهِ إلى بطلٍ
- شهمٍ، إلى مثلهِ تلقَى المقاليدُ
- يا مُفقدي مع وُجودي فيضَ أنعُمِهِ
- همّي وموجودُ وجدي وهوَ مَفقودُ
- وجاعِلَ الفَضلِ فيما بينَنا نسبَاً،
- إذ كانَ في نَسَبِ الآباءِ تَبعيدُ
- قد كانَ يجدي التناسي عنك دفعُ أسًى ،
- لو أنّ مثلكَ في المصرينِ موجودُ
- قد أخلَقتْ ثوبَ صبري فيكَ حادثة ٌ
- أضحَى بها لثيابِ الحُزن تَجديدُ
- برغمِ أنفيَ أن يدعوكَ ذو أملٍ،
- فلا يسحّ عهادٌ منكَ معهودُ
- وأن يُرى ربعُكَ العافي، وليسَ به
- مرعًى خصيبٌ، وظلٌّ منك ممدودُ
- أبكي، إذا ما خلا أوصافُ مجدِكَ لي،
- فكري وأطلبُ صبري، وهو مطرودُ
- وألتَجي بالتّسَلي أن ستُخلِفُها
- أبناؤكَ الغرُّ أو أبناؤكَ الصيدُ
- فسوفَ ترثيكَ منّي كلّ قافية ٍ،
- بها لذِكرِكَ بينَ النّاسِ تَخليدُ
- وأُسمِعُ النّاسَ أوصافاً عُرِفتَ بها،
- حتى كأنّكَ في الأحياءِ معدودُ
- فلا عدا الغيث ترباً أنتَ ساكنهُ،
- مع عِلمِنا أنّ فيهِ الغَيثَ مَلحودُ
- ودامَ، والظّلّ مَمدودٌ بساحَتِهِ،
- والسّدرُ والطّلعُ مَحصورٌ ومَنضودُ
المزيد...
العصور الأدبيه