الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> بكيتُ دماً لو كانَ سكبُ الدما يغني، >>
قصائدصفي الدين الحلي
بكيتُ دماً لو كانَ سكبُ الدما يغني،
صفي الدين الحلي
- بكيتُ دماً لو كانَ سكبُ الدما يغني،
- وضاعفتُ حزني لو شفى كمداً حزني
- وأعرضتُ عن طيبِ الهناءِ لأنني
- نقمتُ الرّضى حتى على ضاحكِ المزنِ
- أرى العيش في الدّنيا كاحلامِ نائمٍ،
- فلَذّاتُها تَفنى ، وأحداثُها تُفني
- فمن حادثٍ جمٍّ صفقتُ له يدي،
- ومن فادحٍ صَعبٍ قَرَعتُ له سنّي
- أفي الستّ والعِشرينَ أفقدُ سِتّة ً،
- جبالاً غدتْ من عاصفِ الموتِ كالعهنِ
- فقَدتُ ابنَ عمّي وابن عمّي وصاحبي،
- وأكبرَ غِلماني بها، وأخي، وابني
- متى تُخلِفُ الأيّامُ كابنِ مُحَمّدٍ
- ونجلِ سرايا بعدهُ، وفتى الرّكنِ
- رجالاً لوَ انّ الشامخاتِ تساقطتْ
- عليهم، لكان القلبُ من ذاك في أمنِ
- فجعتُ بندبٍ كانَ يملأُ ناظري،
- فأصبحَ ناعي نديهِ مالئاً أذني
- عفيفُ نواحي الصدرِ، من طيّ ريبة ٍ،
- سليمُ ضميرِ القلبِ من دنسِ الضغنِ
- قريبٌ إلى المَعروفِ والخَيرِ والتّقَى ،
- بعيدٌ عن الفحشاءِ والإفكِ والأفنِ
- جبانٌ عن الفحشا، شحيحٌ بعرضِه،
- إذا عيبَ بعضُ النّاس بالشحّ والجبنِ
- ومَن أتعَبَ اللُّوّامَ في بَذلِ بِرّهِ،
- فَلائِمُهُ يَثني، وآمِلُهُ يُثني
- مضى طاهرَ الأثوابِ والنفسِ والخطى ،
- عفيفَ مناطِ الذيلِ والجيبِ والردنِ
- ولم يَبقَ من تَذكارِهِ غَيرُ زَفرَة ٍ،
- تفرقُ بينَ النومِ، في الليل، والجفنِ
- ولو سلبتهُ الحربُ منّي لشاهدتْ
- كما شاهدتْ في ثارِ أخوالِهِ منّي
- وأبكيتُ أجفانَ الصوارمِ والقنا
- نجيعاً، غداة َ الكرّ في الضربِ والطعنِ
- فيا ابنَ أبي والأمّ، قد كنتَ لي أباً
- حُنُوّاً، ولكن في الإطاعة لي كابني
- ليهنكَ أنّ الدمعَ بعدكَ مطلقٌ،
- لفَرطِ الأسَى ، والقلبَ بالهَمّ في سجنِ
- جَعَلتُ جبالَ الصّبرِ بالحُزنِ صَفصفاً،
- وصَيّرتُ أطوادَ التّجلّدِ كالعِهنِ
- وحاولتُ نظمَ الشعرِ فيكَ مراثياً،
- فأرتجَ حتى كدتُ أخطىء ُ في الوزنِ
- بنيتُ على أن أتّقي بكَ شدّتي،
- ولم أدرِ أنّ الذّهرَ ينقضُ ما أبني
- وبُلّغتُ ما أمّلتُ فيكَ سوى البَقا،
- وما رُمتُهُ إلاّ الوُقوفَ على الدّفنِ
- سَبقتَ إلى الزّلفَى ، وما من مَزِيّة ٍ
- من الفضلِ إلاّ كنتَ أولى بها منّي
- خَلَفتَ أباكَ النّدبَ في كلّ خِلّة ٍ
- من المَجدِ، حتى كِدتَ عنه لنا تُغني
- سَرايا خِصالٍ من سَرايا وَرِثتَها،
- على أنّ هذا الوردَ من ذلكَ الغصنِ
- جزاكَ الذي يممتَ سعياً لبيتِهِ،
- وأعلَمُ أنّ الحُزنَ والموتَ واحِدٌ
- ووَفّاكَ مَن لم تَنسَ في الدّهرِ ذِكرَه
- شَفاعتَه، والّناسُ في الحَشرِ كاللُّكنِ
- فقد كنتَ تحيي الليلَ بالذكرِ ضارعاً
- إلى اللَه، حتى صِرتَ بالنّسكِ كالشَّنِّ
- فيؤنِسُني تَرتيبُ نَفلِكَ في الضّحى ،
- ويُطرِبُني تَرتيلُ وِردِكَ في الوَهنِ
- أمنتُ صروفَ الدهرِ بعدكَ والأذى ،
- فمن ذا رأى من صارَ بالخَوفِ في أمنٍ
- سأبكيكَ بالعزّ الذي كنتَ ملبسي،
- لدَيكَ، وثِقلٍ كُنتَ تَحمِلُه عَنّي
- عليذ، فذا يضني القلوبَ، وذا يفني
- فإن كانَ عمرُ البينِ قد طالَ بيننا،
- كما طالَ في آناءِ مُدّتِهِ حُزني
- فحبكَ في قلبي، وذكركَ في فمي،
- وشخصكَ في عيني، ولفظكَ في أذني
المزيد...
العصور الأدبيه