الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما، >>
قصائدصفي الدين الحلي
اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما،
صفي الدين الحلي
- اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما،
- فحُقّ للخلقِ أن تذري الدّموعَ دما
- ما من وفيٍّ بكى دمعاً بغيرِ دمٍ،
- إلاّ غَدا في صَفاءِ الودّ مُتّهماً
- يا فَجعة ً أحدثتْ في المجدِ مُعضِلة ً
- تُبلي الصّميمَ وفي سمعِ العُلى صَمَما
- شَقُّ الجيوبِ بلا شَقّ القلوبِ بها
- خلقٌ ذميمٌ لمن يرعى لها الذّمَما
- حتامَ أحزنُ في توديعِ مرتحِلٍ،
- وأقرَعُ السّنّ في آثارِهِ نَدَما
- من خالطَ الناسَ كانَ الحزنُ غايتَه،
- من أكثرَ النّومَ لا يسَتذنبُ الحُلُما
- أماتني الحزنُ إلاّ أنّ نطقَ فمي
- يحكي الصّدى لنَعيٍّ خطبُهُ عَظُما
- أينَ الذي كانَ مَغناهُ لآملِهِ
- حصناً، وظلّ فناهُ للنزيلِ حمى
- أينَ الذي كانَ مَسعاهُ وبهجَتُه
- بَينَ المَمالِك تَجلو الظُّلمَ والظُّلَما
- أينَ الذي كانَ نعمَ المُستَشارُ به،
- إذا تراكمَ موجُ الشكّ والتطما
- وإن غدتْ الملوكِ الأرضِ مشكلة ٌ
- غدا لها حكماً ترضى بها حكما
- يَقظانُ يُرضيكَ نَجواهُ وخاطرُه،
- إن قالَ أفهمَ، أو أسمعتهُ فهما
- مضَى الأميرُ عِمادُ الدّينِ عن أَمَمٍ
- قد كانَ منها سَناهُ والنّدى أَمَما
- فما أرتنا الليالي عندهُ نعماً،
- حتى قضَى ، فأرَتنا عندَهُ نِقَما
- قضَى ديونَ العلى في عزة ٍ وقضَى
- عَفَّ الإزارِ بحَبلِ اللَّهِ مُعتَصِما
- ما مالَ إلاّ على مالٍ يَجودُ بهِ
- على الوَرى ولغَيرِ الخَيلِ ما ظلَما
- ولم يُحَرّكْ لساناً في أذَى أحدٍ
- من العبادِ، ولا أجرى به قلما
- يا ناصرَ الحَقّ لمّاعَزّ ناصِرُهُ،
- وذلّ من لم يكن بالجاهِ ملتزما
- ما كنتَ إلاّ طرازاً راقَ منظرهُ
- على ثيابِ العُلى والمجدِ قد رقِما
- ماتتْ لموتكَ خلقٌ كنتَ غيثهمُ،
- وهَدّ فَقدُكَ من أهلِ الرّجا أُمَما
- لبَّيتَ داعي الرّدى لمّا فُجئتَ بهِ
- طَوعاً، ولم تَر منهُ عابساً وَجِما
- رَمَيتَ بالذّلّ قَوماً أنتَ عزّهمُ،
- وما رَمَيتَ ولكنّ الإلَهَ رَمَى
- حلّ الردي بك ضيفاً فانبسطتَ لهُ،
- وجُدتَ بالنّفسِ لمّا رامَها كَرَما
- قد سلمتكَ الليالي في تصرفِها،
- حتى المنية ُ ألقتْ دونكَ السلَما
- ففاجأتكَ برفقٍ لم يذقكَ ضنى ً،
- ولم تُقاسِ بها في مَرضَة ٍ ألمَا
- يا ابنَ الأئمّة ِ والقومِ الذينَ سمَوا
- على الأنامِ، فكانوا للهُدى عَلما
- مثواكَ في يوم عاشوراءَ يخبرُنا
- بقربِ أصلكَ من آبائِكَ الكرَما
- وخُلقُك السَّبطُ يا ابن السِّبطِ حن له،
- فيومَ مَصرَعهِ من بَينِنا اختُرِما
- قد كانَ وجهكَ في الإقبلِ قبلتنا،
- فأصبَحَ اسمُكَ فيما بَينَنا قَسَما
- وكانَ ملكَ في الأقوامِ منقسماً،
- فصارَ حزنكَ بينَ الناسِ مقتسما
- كنّا نُعَزّيكَ في الأموالِ تُتلِفُها،
- فاليومَ فيك نعزي المجدَ والكرما
- أرضعتنا ثدي أنسٍ منكَ تألفهُ،
- فاليومَ منك رضيعُ الأنسِ قد فطما
- تبدي التواضعَ للاخوانِ منبسطاً،
- وإن وَضَعتَ على هامِ السُّها قدَما
- بسطتَ لي منكَ أخلاقاً وتكرمة ً،
- حتى غدا الودّ فيما بيننا رحما
- فكيفَ نحيا، وقد زالَ الحياة ُ لنا،
- فإن نمتْ بعدَه حزناً فلا جرما
- أبكي عليهِ، وهل يَشفي البكا كمداً،
- ولو مزجتُ دموعي بالدماءِ لما
- ويكفَ نبكي أمرأً كانَ الإلهُ لهُ
- في المالِ والآلِ والخيراتِ قد خَتما
- مضَى ، وأبقَى لَنا من بَعدِهِ خلَفاً
- شملُ العلاءِ بهِ قد عادَ ملتئما
المزيد...
العصور الأدبيه