الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> غيري بأكثر هذا الناس ينخدع >>
قصائدالمتنبي
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
المتنبي
- غَيرِي بأكْثرِ هذا النّاسِ يَنْخَدِعُ
- إنْ قاتَلُوا جَبُنوا أوْ حدّثوا شجُعُوا
- أهلُ الحَفيظَةِ إلاّ أنْ تُجَرّبَهُمْ
- وَفي التّجارِبِ بَعد الغَيّ ما يَزَعُ
- وَما الحيَاةُ ونَفسي بَعدَمَا عَلِمَتْ
- أنّ الحَياةَ كَما لا تَشتَهي طَبَعُ
- لَيسَ الجَمالُ لِوَجْهٍ صَحّ مارِنُهُ،
- أنْفُ العَزيزِ بقَطعِ العِزّ يُجْتَدَعُ
- أأطرَحُ المَجْدَ عَنْ كِتْفي وَأطْلُبُهُ
- وَأتْرُكُ الغَيثَ في غِمْدي وَأنْتَجعُ
- وَالمَشْرَفِيّةُ لا زَالَتْ مُشَرَّفَةً
- دَواءُ كلّ كَريمٍ أوْ هيَ الوَجَعُ
- وفارِسُ الخَيْلِ مَن خَفّتْ فوَقّرَهَا
- في الدّرْبِ والدّمُ في أعطافِهِ دُفَعُ
- فَأوْحَدَتْهُ وَما في قَلْبِهِ قَلَقٌ
- وَأغضَبَتْهُ وَمَا في لَفْظِهِ قَذَعُ
- بالجَيْشِ تَمْتنعُ السّاداتُ كُلّهُمُ
- وَالجَيشُ بابنِ أبي الهَيْجاءِ يَمتَنِعُ
- قَادَ المَقانِبَ أقصَى شُرْبِها نَهَلٌ
- على الشّكيمِ وَأدْنَى سَيْرِها سَرَعُ
- لا يَعْتَقي بَلَدٌ مَسراهُ عَنْ بَلَدٍ
- كالمَوْتِ لَيسَ لَهُ رِيٌّ وَلا شِبَعُ
- حتى أقامَ عَلى أرْباضِ خَرْشَنَةٍ
- تَشْقَى بهِ الرّومُ والصّلبانُ والبِيَعُ
- مُخْلًى لَهُ المَرْجُ مَنْصُوباً بصارِخَةٍ
- لَهُ المَنابِرُ مَشْهُوداً بهَا الجُمَعُ
- يُطَمّعُ الطّيرَ فيهِمْ طُولُ أكْلِهِمِ
- حتى تَكادَ على أحيَائِهِمْ تَقَعُ
- وَلَوْ رَآهُ حَوَارِيّوهُمُ لَبَنَوْا
- على مَحَبّتِهِ الشّرْعَ الذي شَرَعُوا
- لامَ الدُّمُستُقُ عَينَيْهِ وَقَدْ طَلَعَتْ
- سُودُ الغَمَامِ فَظَنّوا أنّها قَزَعُ
- فيها الكُماةُ التي مَفطومُها رَجُلٌ
- على الجِيادِ التي حَوْلِيُّهَا جَذَعُ
- يَذري اللُّقَانُ غُباراً في مَنَاخِرِهَا
- وَفي حَناجِرِهَا مِن آلِسٍ جُرَعُ
- كَأنّهَا تَتَلَقّاهُمْ لِتَسْلُكَهُمْ
- فالطّعْنُ يَفْتَحُ في الأجْوَافِ ما يسعُ
- تَهْدِي نَواظِرَهَا وَالحَرْبُ مُظلِمَةٌ
- مِنَ الأسِنّةِ نَارٌ وَالقَنَا شَمَعُ
- دُونَ السَّهَامِ وَدُونَ القُرّ طَافِحَةٌ
- عَلى نُفُوسِهِمِ المُقْوَرّةُ المُزُعُ
- إذا دَعَا العِلْجُ عِلجاً حالَ بَيْنَهُمَا
- أظْمَى تُفَارِقُ مِنهُ أُخْتَهَا الضِّلَعُ
- أجَلُّ مِنْ وَلَدِ الفُقّاسِ مُنكَتِفٌ
- إذْ فاتَهُنّ وَأمضَى منهُ مُنصَرِعُ
- وَمَا نَجَا مِنْ شِفارِ البِيضِ مُنفَلِتٌ
- نَجَا ومِنْهُنّ في أحْشَائِهِ فَزَعُ
- يُبَاشِرُ الأمْنَ دَهْراً وَهْوَ مُختَبَلٌ
- ويَشرَبُ الخَمْرَ حَوْلاً وهوَ ممتقَعُ
- كَمْ مِنْ حُشاشَةِ بِطْرِيقٍ تضَمّنَها
- للباتِراتِ أمِينٌ مَا لَهُ وَرَعُ
- يُقاتِلُ الخَطْوَ عَنْهُ حِينَ يَطلُبُهُ
- وَيَطرُدُ النّوْمَ عَنْهُ حينَ يَضْطَجعُ
- تَغدو المَنَايا فَلا تَنْفَكّ وَاقِفَةً
- حتى يَقُولَ لهَا عُودي فَتَنْدَفعُ
- قُلْ للدُّمُسْتُقِ إنّ المُسْلَمينَ لَكُم
- خانُوا الأميرَ فجازاهُمْ بما صَنَعُوا
- وَجَدْتُمُوهُمْ نِيَاماً في دِمائِكُمُ
- كأنّ قَتْلاكُمُ إيّاهُمُ فجَعُوا
- ضَعْفَى تَعِفّ الأيَادي عَنْ مِثالِهِمِ
- منَ الأعادي وَإنْ هَمّوا بهم نَزَعوا
- لا تَحْسَبُوا مَن أسرْتم كانَ ذا رَمَقٍ
- فَلَيْسَ يأكُلُ إلاّ المَيْتَةَ الضبُعُ
- هَلاّ على عَقَبِ الوادي وقد طَلَعَتْ
- أُسْدٌ تَمُرّ فُرادَى لَيسَ تجتَمعُ
- تَشُقّكُمْ بفَتَاهَا كُلُّ سَلْهَبَةٍ
- والضّرْبُ يأخذُ منكُم فوْقَ ما يدَعُ
- وَإنّما عَرّضَ الله الجُنُودَ بِكُمْ
- لكَيْ يَكونوا بلا فَسْلٍ إذا رَجعوا
- فكُلّ غَزْوٍ إلَيكُمْ بَعدَ ذا فَلَهُ
- وَكُلّ غازٍ لسَيْفِ الدّوْلةِ التّبَعُ
- تَمْشِي الكِرامُ على آثارِ غَيرِهِمِ
- وَأنتَ تَخْلُقُ ما تأتي وَتَبْتَدِعُ
- وَهَلْ يَشينُكَ وَقتٌ كنتَ فَارِسَهُ
- وَكانَ غيرَكَ فيهِ العاجِزُ الضَّرَعُ
- مَن كانَ فوْقَ مَحلّ الشّمسِ موْضِعُه
- فَلَيْسَ يَرْفَعُهُ شيءٌ وَلا يَضَعُ
- لم يُسلِمِ الكرُّ في الأعقابِ مُهْجَتَهُ
- إنْ كانَ أسلَمَها الأصْحابُ وَالشِّيَعُ
- لَيتَ المُلُوكَ على الأقدارِ مُعْطِيَةٌ
- فلَمْ يكُنْ لدَنيءٍ عندَهَا طَمَعُ
- رَضِيتَ مِنهُمْ بأنْ زُرْتَ الوَغى فرَأوْا
- وَأن قرَعتَ حَبِيكَ البَيضِ فاستَمَعوا
- لَقد أباحَكَ غِشّاً في مُعامَلَةٍ
- مَن كنتَ منهُ بغَيرِ الصّدقِ تَنتَفعُ
- الدّهْرُ مُعتَذِرٌ والسّيفُ مُنْتَظِرٌ
- وَأرْضُهُمْ لَكَ مُصْطافٌ وَمُرْتَبَعُ
- وَمَا الجِبَالُ لنَصْرانٍ بحَامِيَةٍ
- وَلَوْ تَنَصّرَ فيها الأعصَمُ الصَّدَعُ
- وَمَا حَمِدْتُكَ في هَوْلٍ ثَبَتَّ بِهِ
- حتى بَلَوْتُكَ وَالأبْطالُ تَمتَصِعُ
- فَقَدْ يُظَنّ شُجاعاً مَنْ بِهِ خَرَقٌ
- وَقَدْ يُظَنّ جَبَاناً مَنْ بِهِ زَمَعُ
- إنّ السّلاحَ جَميعُ النّاسِ تَحْمِلُهُ
- وَلَيسَ كلُّ ذواتِ المِخْلَبِ السَّبُعُ
المزيد...
العصور الأدبيه