الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> أود من الأيام ما لا توده >>
قصائدالمتنبي
أود من الأيام ما لا توده
المتنبي
- أوَدُّ مِنَ الأيّامِ مَا لا تَوَدُّهُ
- وَأشكُو إلَيهَا بَيْنَنَا وَهْيَ جُنْدُهُ
- يُباعِدْنَ حِبّاً يَجْتَمِعْنَ وَوَصْلُهُ
- فكَيفَ بحِبٍّ يَجْتَمِعنَ وَصَدُّهُ
- أبَى خُلُقُ الدّنْيَا حَبِيباً تُديمُهُ
- فَمَا طَلَبي مِنهَا حَبيباً تَرُدّهُ
- وَأسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّراً
- تَكَلفُ شيءٍ في طِباعِكَ ضِدّهُ
- رَعَى الله عِيساً فَارَقَتْنَا وَفَوْقَهَا
- مَهاً كُلها يُولَى بجَفْنَيْهِ خَدُّهُ
- بوَادٍ بِهِ مَا بالقُلُوبِ كَأنّهُ
- وَقَدْ رَحَلُوا جِيدٌ تَنَاثَرَ عِقدُهُ
- إذا سَارَتِ الأحداجُ فَوْقَ نَبَاتِهِ
- تَفَاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَنْدُهُ
- وَحالٍ كإحداهُنّ رُمْتُ بُلُوغَهَا
- وَمِنْ دونِها غَوْلُ الطريقِ وَبُعدُهُ
- وَأتْعَبُ خَلْقِ الله مَنْ زَادَ هَمُّهُ
- وَقَصّرَ عَمّا تَشتَهي النّفس وَجدُهُ
- فَلا يَنحَلِلْ في المَجدِ مالُكَ كُلّهُ
- فيَنحَلَّ مَجْدٌ كانَ بالمالِ عَقدُهُ
- وَدَبِّرْهُ تَدْبيرَ الذي المَجْدُ كَفُّهُ
- إذا حارَبَ الأعداءَ وَالمَالَ زَنْدُهُ
- فَلا مَجْدَ في الدّنْيَا لمَنْ قَلّ مَالُهُ
- وَلا مالَ في الدّنيا لمَنْ قَلّ مَجدُهُ
- وَفي النّاسِ مَنْ يرْضَى بميسورِ عيشِهِ
- وَمَرْكوبُهُ رِجْلاهُ وَالثّوْبُ جلدُه
- وَلَكِنّ قَلْباً بَينَ جَنْبَيّ مَا لَهُ
- مَدًى يَنتَهي بي في مُرَادٍ أحُدُّهُ
- يَرَى جِسْمَهُ يُكْسَى شُفُوفاً تَرُبُّهُ
- فيَختارُ أن يُكْسَى دُرُوعاً تهُدّهُ
- يُكَلّفُني التّهْجيرَ في كلّ مَهْمَهٍ
- عَليقي مَرَاعِيهِ وَزَاديَ رُبْدُهُ
- وَأمْضَى سِلاحٍ قَلّدَ المَرْءُ نَفْسَهُ
- رَجَاءُ أبي المِسْكِ الكَريمِ وَقصْدُهُ
- هُما ناصِرَا مَنْ خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ
- وَأُسرَةُ مَنْ لم يُكثِرِ النّسلَ جَدُّهُ
- أنَا اليَوْمَ مِنْ غِلْمانِهِ في عَشيرَةٍ
- لَنَا وَالِدٌ مِنْهُ يُفَدّيهِ وُلْدُهُ
- فَمِنْ مَالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفْسُهُ
- وَمِنْ مَالِهِ دَرُّ الصّغِيرِ وَمَهْدُهُ
- نَجُرّ القَنَا الخَطّيّ حَوْلَ قِبَابِهِ
- وَتَرْدي بِنا قُبُّ الرّباطِ وَجُرْدُهُ
- وَنَمْتَحِنُ النُّشّابَ في كلّ وَابِلٍ
- دَوِيُّ القِسِيّ الفَارِسِيّةِ رَعْدُهُ
- فإنْ لا تَكُنْ مصرُ الشَّرَى أوْ عَرِينَه
- فإنّ الذي فيهَا منَ النّاسِ أُسدُهُ
- سَبَائِكُ كافُورٍ وَعِقْيانُهُ الذي
- بصُمّ القَنَا لا بالأصَابعِ نَقْدُهُ
- بَلاهَا حَوَالَيْهِ العَدُوُّ وَغَيْرُهُ
- وَجَرّبَهَا هَزْلُ الطّرَادِ وَجِدّهُ
- أبو المِسْكِ لا يَفْنى بذَنْبِكَ عفوُهُ
- وَلَكِنّهُ يَفْنى بعُذْرِكَ حِقدُهُ
- فَيَا أيّها المَنْصُورُ بالجَدّ سَعْيُهُ
- وَيَا أيّها المَنْصُورُ بالسّعيِ جَدّهُ
- تَوَلّى الصِّبَى عَنّي فأخلَفتَ طِيبَهُ
- وَمَا ضَرّني لمّا رَأيْتُكَ فَقدُهُ
- لَقَدْ شَبّ في هذا الزّمانِ كُهُولُهُ
- لَدَيْكَ وَشابَتْ عندَ غَيرِكَ مُرْدُهُ
- ألا لَيْتَ يَوْمَ السّيرِ يُخبرُ حَرُّهُ
- فَتَسْألَهُ وَاللّيْلَ يُخْبرُ بَرْدُهُ
- وَلَيْتَكَ تَرْعاني وَحَيرَانُ مُعرِضٌ
- فتَعْلَمَ أنّي من حُسامِكَ حَدّهُ
- وَأنّي إذا باشَرْتُ أمراً أُريدُهُ
- تَدانَتْ أقاصِيهِ وَهَانَ أشَدُّهُ
- وَمَا زَالَ أهلُ الدّهرِ يَشْتَبِهونَ لي
- إلَيْكَ فَلَمّا لُحْتَ لي لاحَ فَرْدُهُ
- يُقالُ إذا أبصَرْتُ جَيْشاً وَرَبَّهُ
- أمامكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجيشِ عبدُهُ
- وَألْقَى الفَمَ الضّحّاكَ أعلَمُ أنّهُ
- قَريبٌ بذي الكَفّ المُفَدّاةِ عهدُهُ
- فَزَارَكَ مني مَنْ إلَيْكَ اشتِياقُهُ
- وَفي النّاسِ إلاّ فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ
- يُخَلِّفُ مَنْ لم يَأتِ دارَكَ غَايَةً
- وَيأتي فيَدري أنّ ذلكَ جُهْدُهُ
- فإنْ نِلْتُ ما أمّلْتُ منكَ فرُبّمَا
- شَرِبْتُ بمَاءٍ يُعجِزُ الطّيرَ وِرْدُهُ
- وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبلَ وَعْدٍ لأنّهُ
- نَظيرُ فَعَالِ الصّادِقِ القوْلِ وَعدُهُ
- فكنْ في اصْطِناعي مُحسِناً كمُجرِّبٍ
- يَبِنْ لَكَ تَقرِيبُ الجَوَادِ وَشَدُّهُ
- إذا كنتَ في شَكٍّ من السّيفِ فابْلُهُ
- فإمّا تُنَفّيهِ وَإمّا تُعِدّهُ
- وَمَا الصّارِمُ الهِندِيُّ إلاّ كَغَيرِهِ
- إذا لم يُفارِقْهُ النِّجادُ وَغِمْدُهُ
- وَإنّكَ لَلْمَشْكُورُ في كُلّ حالَةٍ
- وَلَوْ لم يكُنْ إلاّ البَشاشَةَ رِفْدُهُ
- فكُلُّ نَوَالٍ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ
- فلَحظَةُ طَرْفٍ منكَ عنديَ نِدّهُ
- وَإنّي لَفي بَحْرٍ منَ الخَيرِ أصْلُهُ
- عَطَاياكَ أرْجُو مَدّهَا وَهيَ مَدُّهُ
- وَمَا رَغْبَتي في عَسْجَدٍ أستَفيدُهُ
- وَلَكِنّها في مَفْخَرٍ أسْتَجِدّهُ
- يَجُودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ
- وَيحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحمدَ حمدُهُ
- فإنّكَ ما مرّ النُّحُوسُ بكَوْكَبٍ
- وَقَابَلْتَهُ إلاّ وَوَجْهُكَ سَعدُهُ
المزيد...
العصور الأدبيه