الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> طيف لعلوة ما ينفك يأتيني >>
قصائدالبحتري
طيف لعلوة ما ينفك يأتيني
البحتري
- طَيفٌ لعَلْوَةَ ما يَنفَكُّ يأتيني،
- يَصْبُو إليّ، على بُعْدٍ، وَيُصْبيني
- تَحيّةُ الله تُهْدَى، وَالسّلامُ على
- خَيَالِكِ الزّائِرِي وَهْناً، يُحَيّيني
- إذا قَرُبْتُ، فهَجْرٌ مِنكِ يُبعِدُني؛
- وَإنْ بَعُدْتُ، فوَصْلٌ منكِ يُدنيني
- تَصَرّمَ الدّهرُ لا وَصْلٌ، فيُطمِعَني
- فيما لَدَيكِ، وَلا يأسٌ، فَيُسْليني
- وَلَستُ أعجَبُ من عِصْيانِ قلبكِ لي
- عَمداً، إذا كانَ قلبي فيكِ يَعصِيني
- أمَا وَما احمَرّ من وَرْدِ الخُدودِ ضُحًى،
- وَاحوَرّ في دَعَجٍ مِنْ أعْيُنِ العِينِ
- لقَد حَبَوْتُ صَفاءَ الوِدّ صَائِنَهُ
- عَنّي، وَأقْرَضْتُهُ مَنْ لا يُجازِيني
- هَوًى على الهُونِ أُعطيهِ، وَأعْهَدُني،
- من قَبلِ حُبِِّيكِ، لا أعطي على الهونِ
- ما لي يُخَوّفُني مَنْ لَيسَ يَعْرِفُني
- بالنّاسِ، وَالنّاسُ أحرَى أن يَخافوني
- إذا عَقَدْتُ عَلى قَوْمٍ مُشَنَّعَةً،
- فَليُكثِرُوا القَوْلَ في عَيبي، وَتهجيني
- وَقَدْ بَرِئْتُ إلى العِرّيضِ مِنْ فِكَرٍ
- مُبيرَةٍ، وَلِسَانٍ غَيرِ مَضْمُونِ
- وَلَسْتُ مُنْبَرِياً بالجَهْلِ أجْعَلُهُ
- صِنَاعَةً، ما وَجدتُ الحِلمَ يكفيني
- إنّي، وَإنْ كنتُ مَرْهوباً لعادِيَةٍ،
- أرْمي عَدُوّي بها في الفَرْطِ وَالحينِ
- لَذُو وَفَاءٍ لأهْلِ الوِدّ مُدّخَرٍ
- عِندي، وَغَيبٍ على الإخوَانِ مأمونِ
- هَلِ ابنُ حَمدونَ مَرْدودٌ إلى كَرَمٍ،
- عَهِدْتُهُ مَرّةٍ عِنْدَ ابنِ حَمْدُونِ
- أخٌ، شكَرْتُ لَهُ نُعمَى أخي ثِقَةٍ،
- زَكَتْ لَدَيّ، وَمَنّاً غَيرَ مَمنونِ
- طافَ الوُشاةُ بهِ بَعدِي، وَغَيّرَهُ
- مَعاشِرٌ كُلُّهُمْ بالسّوءِ يَعنيني
- أصْبَحْتُ أرْفَعُهُ حَمْداً، وَيخفِضُني،
- ذَمّاً، وَأمْدَحُهُ طَوْراً، وَيَهجوني
- وَعَادَ مُحْتَفِلاً بالسّوءِ يَهدِمُني،
- وكانَ مِنْ قَبلُ بالإحسانِ يَبنيني
- تَدعُو اللَّئامَ إلى شَتمي وَمَنقَصَتي،
- بِئسَ الحِباءُ على مَدحيكَ تَحْبُوني
- أينَ الوَدادُ الذي قَد كنتَ تَمنَحُني،
- أَيْنَ الصّفاءُ الذي قَد كنتَ تُصْفيني
- إنْ كانَ ذَنْبٌ فأهلُ الصّفحِ أنتَ، وَإن
- لمْ آتِ ذَنْباً فَفيمَ اللّوْمُ يَعرُوني
- بَني زَُرَارَاءَ وَما أزْرَى بكُمْ حَسَبٌ
- دونٌ، وَما الحَسَبُ العاديُّ بالدّونِ
- تِلْكَ الأعاجِمُ تُنميكُمْ أوَائِلُهَا
- إلى الذّوَائِبِ مِنها، وَالعَرَانِينِ
- فَخْرُ الدّهاقِينِ مأثُور وفَخْرُكُمُ
- مِنْ قَبلُ دَهْقَنَ آبَاءَ الدّهاقينِ
- إنّي أعُدُّكُمُ رَهْطي، وَأجْعَلُكُمْ
- أحَقُّ بالصّوْنِ مِنْ عِرْضِي وَمن ديني
المزيد...
العصور الأدبيه