الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد مهدي الجواهري >> الفرات الطاغي !... >>
قصائدمحمد مهدي الجواهري
- طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ
- وفاض فالأرضُ والأشجارُ تنغمِرُ
- وراعت الطائرَ الظمآنَ هيبتُه
- فمرَّ وهو جبانٌ فوقَه حذِر
- كأنما هو في آذيِّه جَبَلٌ
- على الضفاف مُطلٌّ وهي تنحدر
- رَبُّ المزارعِ والملاّحِ راعَهما
- بالحول منه عظيمُ البطش مقتدِر
- باتت على ضَفَّتيه الليلَ تحرُسُه
- غُلبُ الرجال لما يأتيه تنتظر
- راحو أُسارى مطأطين الرؤوسَ له
- وراح طوعَ يديه النفعُ والضرر
- مَشَى على رِسْلِه لا الخوفُ يَردَعُه
- ولا عن الفِعلة النكراءِ يعتذِر
- ومر يَهزَأ من أيد تقاومه
- تسعَى لتحكيم أسداد وتبتدِر
- فكلُّ ما بلغَ الانسانُ من عَنَتٍ
- قُوى الطبيعةِ تأتيه فيندحِر
- وما " الفرات ُ " بمسطاعٍ فمختَضَدٍ
- ولا بمستعبَد بالعُنفِ يُقتَسر
- كم من معاركَ شنَّ الفنُ غارتَها
- على " الفرات " ولكنْ كانَ ينتصر
- نَموذَجٌ " للأنانيينَ " ليس له
- ولا عليه ، أفازَ الناسُ أم خسِروا
- في حينَ باتَ جميعُ الناس يُرهبُهم
- في كل ثانيةٍ عن سَيره خَبَر
- ملءُ القلوب خشوعٌ من مهابتِه
- وملءُ أعينهم من خوفِه سَهر
- وراح شُغْل النوادي عن فظاظته
- يُجرى الحديثَ وفيه ينقضي السهر
- ورُوِّعَ السمعُ حتى بات من ذَهَل
- يود سَمعُ الفتى لو أنه بَصَر
- واستُبطِئت عن نَثَا أخباره بُرُدٌ
- واستُنهِضَ البرقُ يُستقصي به الخَبَر
- هو " الفرات " وكم في أمره عَجَبٌ
- في حالتيهِ وكم في آيِه عِبَر
- بينا هو البحرُ لا تُسطاع غضبتُه
- إذا استشاطَ فلا يُبقي ولا يَذرَ
- إذا به واهنُ المَجرى يعارِضُه
- عودٌ ويمنعه عن سيره حَجَر
- طَمَى فردَّ شبابَ الأرض قاحلةً
- به وعادت إلى رَيعانها الغُدُر
- وأشرفت بقعةٌ أُخرى ألَّم بها
- على الممات فأمسَت وهي تُحتَضر
- وودَّعَ الزارعون الزرعَ وانصرفوا
- للماء ما زَرَعوا منه وما بَذَروا
- من كان بالامس يعلو وجهَهُ فرحٌ
- بما يُرجِّيه غطَّ وجهَه كَدَر
- وقطَّبت بعد تهليل أسرَّتُه
- وبان فوق خُطاه الضعفُ والخَوَر
- صُبَّت عليها بلاياه ونقمتُه
- أنا " القصورُ " فلا خوفٌ ولا حذَر
- طافت عليه حنايا الكوخ واقتُلِعَتْ
- مضارِبُ البيت منه فهي تنتثر
- غط الهديرُ فغضَّت منه ثاغيةٌ
- ورددت ثغيّها من خلفِها أُخر
- واستحكمت ضجةٌ من كل ناحية
- جاءت إليها بموتٍ عاجلٍ نُذُر
- ورُبَّ طالبةٍ بالماء راضَعَها
- ورب عاريةٍ بالماء تأتزر
- وصفحةٍ من بديع الشعر منظرهُ
- طامي العُباب مُطِلاً فوقَه القَمَر
- وقد بدت خضرةُ الأشجار لامعةً
- مغمورةً بسناه فهي تزدهِر
- ومن على ضَفَّتيه انصاعَ منغمرا
- في الماء نصفٌ فوقَه الشَجر
- باتت على خَطَرٍ ناسٌ بثورته
- وراح يؤنُسنا في المنظر الخَطَر
- وهكذا الناسُ يُغريهم تخيُّلُهم
- حتى يَجيئوا الى البَلْوى فيختبروا
- كما أتى الحربَ فنانٌ ليرسُمَها
- في حينَ آخرُ يُصلى جسمَه الشرَر
- روحٌ جرت لم يُردْ نَفعا بها بدنٌ
- وعسجدٌ سال إلا أنه هَدَر
- هذا المشيِّدُ للعُمران ريِّقَه
- في الرافدين به العُمرانُ يندثر
- كان العراقُ سواداً من مزارعه
- على بنيهِ يفيءُ الظلُ والثَمَر
- تَفيض خيرا على الأقطار غلَّتُه
- موفورةً لسنين الجوع تُدَّخر
- ووزّع الماءَ عدلاً في مسايله
- فكلُّ ناحيةٍ يجري بها نَهَر
- باسم " الفرات " وتنظيمٍ له خُلقتْ
- دوائرٌ لم يَبِنْ من سعيها أثَر
- أغفَت طويلاً ولما هاجَ هائجُه
- جاءته بعد فواتِ الوقتِ تبتدِر
- وهاهو الماءُ موتٌ في زيادته
- وفي النقيصةِ مسروقٌ فمُحتَكَر
المزيد...
العصور الأدبيه