الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أبو القاسم الشابي >> يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا >>
قصائدأبو القاسم الشابي
يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا
أبو القاسم الشابي
- يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا
- ثَمِلاً بِغِبْطة ِ قَلْبِهِ المَسْرُورِ
- مُتَنَقِّلاً بينَ الخَمائلِ، تَالِياً
- وحْيَ الربيعِ السّاحرِ المسحورِ
- غرّدْ، ففي تلك السهول زنابقٌ
- تَرْنُو إليكَ بِنَاظرٍ مَنْظُورِ
- غرِّدْ، ففي قلبي إليْك مودَّة ٌ
- لكن مودَّة طائر مأسورِ
- هَجَرَتْهُ أَسْرابُ الحمائمِ، وانْبَرَتْ
- لِعَذَابِهِ جنِّية ُ الدَّيْجُورِ...
- غرِّد، ولا ترهَبْ يميني، إنّني
- مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَمِيري
- لكنْ لقد هاضَ الترابُ ملامعي
- فَلَبِثْتُ مِثْلَ البُلبلِ المَكْسُورِ
- أشدُو برنّاتِ النِّياحَة ِ والأسى
- مشبوبة بعواطفي وشعوري
- غرِّدْ، ولا تحفَلْ بقلبي، إنّهُ
- كالمعزَفِ، المتحطِّمِ، المهجورِ
- رتِّل عَلى سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ
- واصدحْ بفيضِ فؤادك المسجورِ
- وکنْشِدْ أناشيدَ الجَمال، فإنَّها
- روحُ الوجود، وسلوة المقهورِ
- أنا طَائرٌ، مُتَغرِّدٌ، مُتَرنِّمٌ
- لكِنْ بصوتِ كآبتي وَزَفيري
- يهتاجُني صوتُ الطّيور، لأنَّه
- مُتَدَفِّقٌ بحرارة وطَهورِ
- ما في وجود النَّاس مِنْ شيءٍ به
- يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضميري
- فإذا استمعتُ حديثَهم أَلْفَيْتُهُ
- غَثّاً، يَفِيض بِركَّة ٍ وَفُتُورِ
- وإذا حَضَرْتُ جُمُوعَهُمْ ألْفَيتَنِي
- ما بينهم كالبلبل المأسورِ
- متوحِّداً بعواطفي، ومشاعري،
- وَخَوَاطِري، وَكَآبتي، وَسُروري
- يَنْتَابُنِي حَرَجُ الحياة كأنّني
- مِنْهمْ بِوَهْدَة جَنْدلٍ وَصُخورِ
- فإذا سَكَتُّ تضجَّروا، وإذا نَطَقْتُ
- تذمَّروا مِنْ فكْرَتي وَشُعوري
- آهٍ مِنَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ
- فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وَحُبُوري!
- ما منهم إلا خبيثٌ غادرٌ
- متربِّصٌ بالنّاس شَرَّ مصيرِ
- وَيَودُّ لو مَلَكَ الوُجودَ بأسره
- ورمى الوَرى في جاحِمٍ مسجورِ
- لِيُبلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي
- ويكظّ نهمة قلبه المغفورِ
- وإذا دخلتُ إلى البلاد فإنَّ أفكا
- ـكاري تُرَفْرِفُ في سُفوح الطُّورِ
- حيثُ الطبيعة ُ حلوة ٌ فتَّانَة ٌ
- تختال بين تَبَرُّجِ وَسُفُورِ
- ماذا أودُّ من المدينة ، وهي غارقة ٌ
- بموَّار الدَّم المهْدورِ
- ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا
- ترثي للصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ؟
- ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا
- تَعْنو لِغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ؟
- ماذا أودُّ من المدينة ، وهي مُرْتادٌ
- لكل دعارة وفجورِ؟
- يا أيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا
- ثَمِلاً بغبطة قَلْبهِ المسرورِ!
- قبِّلْ أزاهيرَ الربيعِ، وغنِّها
- رنَمَ الصّباحِ الضَاحكِ المحبورِ
- واشربْ مِنَ النَّبع، الجميل، الملتوي
- ما بين دَوْحِ صنوبر وغدير
- وکتْرُكْ دموعَ الفَجْرِ في أوراقِها
- حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ
- فَلَرُبَّما كانتْ أنيناً صاعداً
- في اللَّيل مِنْ متوجِّعٍ، مَقْهورِ
- ذرفته أجْفان الصباح مدامعاً
- ألاّقة ، في دوحة وزهورِ...
المزيد...
العصور الأدبيه