الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> وطارق ليل من علية زارنا >>
قصائدالفرزدق
وطارق ليل من علية زارنا
الفرزدق
- وَطَارِقِ لَيْلٍ مِنْ عُلَيّةَ زَارَنَا،
- وَقَد كادَ عَني اللّيْلُ يَنفَدُ آخِرُهْ
- فَقُلْتُ لَهُ: هَذا مَبِيتٌ، وَعِنْدَنا
- قِرَى طَارِقٍ مِنّا، قَرِيبٍ أوَاصِرُهْ
- كَرِيمٍ عَلَيْنَا زَارَنا عَنْ حَنَابَةٍ
- بهِ اللّيلُ إذْ حَلّتْ علينا عَساكِرُهْ
- فَبَاتَ وَبِتْنَا نَحْسِبُ اللّيلَ مُصْبحاً
- بها عندَنا، حَتى تَجَرّمَ غَابِرهْ
- فَلَوْ لمْ تكنْ رُؤياً لأصْبَحَ عِنْدَنَا
- كَرِيمٌ من الأضْيافِ عَفٌّ سَرَائرُهْ
- فَيا لَعِبَادِ الله! كَيْفَ تَخَيّلَتْ
- لَنَا بَاطلاً لَمّا جَلا اللّيْلَ نائرُهْ
- إلى أسَدٍ سِيري فَإنّ لِقَاءَهُ
- حيا الغيثِ يُحيي ميّتَ الأرْضِ ماطرُهْ
- إلَيْكَ أبَا الأشبالِ سارَتْ وَخَاطَرَتْ
- عَوَادِيَ لَيْلٍ كَانَ تُخشَى بَوادرُهْ
- لِتَلْقَى أبَا الأشْبَالِ، وَالمُسْتَغِيثُهُ
- من الفَقْرِ أوْ خَوْفٍ تُخافُ جَرَائرُهْ
- كَفاهُ الذي تَخشَى منَ الخَوْفِ نفسُه
- وَسُدّتْ بإعطاءِ الألُوفِ مَفاقِرُهْ
- دَعاني أبُو الأشْبَالِ وَالنِّيلُ دُونَهُ،
- وَأيُّ مُجِيبٍ إذْ دَعَاني وَزَائِرُهْ
- وَما زَالَ مُذْ كَانَ الخُماسِيَّ يَشترِي
- غَوَاليَ مِنْ مَجْدٍ عِظَامٍ مَآثِرُهْ
- يَعُودُ على المَوْلى نَدَاهُ وَمَالُهُ،
- وَقد عزّ وَسطَ القَوْمِ من هَو ناصِرُهْ
- عَلَتْ كَفُّكَ اليُمنى، طِعاناً ونائلاً،
- يَدَيْ كلِّ مِعْطَاءٍ وقِرْنٍ تُساوِرُهْ
- وَأنْتَ الذي تُسْتَهْزَمُ الخَيْلُ باسمهِ
- إذا لحِقَتْ وَالطّعْنُ حُمْرٌ بَصَائرُهْ
- وَدَاعٍ حَجَزْتَ الخَيْلَ عنهُ بطَعنةٍ
- لهَا عَانِدٌ لا تَطْمَئِنّ مسابِرُهْ
- وَقَد عَلِمَ الدّاعِيكَ أنْ ستُجيبُهُ
- بحَاجِزَةٍ، وَالنّقْعُ أكْدَر ثَائِرهْ
- عطَفْتَ عليهِ الخيلَ من خَلفِ ظهرِهِ
- وَقَدْ جاءَ بالمَوْتِ المُظلِّ مَقادِرُهْ
- رَدَدْتَ لَهُ الرّوحَ الذي هوَ قَدْ دَنَا
- إلى فِيهِ مِنْ مَجْرٍ إلَيْهِ يُبَادِرُهْ
- وَأنْتَ امْرُؤٌ يَبْتَاعُ بالسّيْفِ ما غَلا
- وَبالرّمح لمّا أكْسَدَ الطّعنَ تاجِرُهْ
- مَكارِمَ يُغْلِيها الطِّعَانُ إذا التَقَتْ
- عَوالٍ مِنَ الخَطّيّ، صُمٌّ مكاسِرُهْ
- وَأنْتَ ابنُ أمْلاكٍ وَكانتْ إذَا دَعَا
- إلَيْها نِسَاءُ الحَيّ تَسْعَى حرَائرُهْ
- يَداكَ يَدٌ إحداهُما النّيلُ وَالنّدى،
- ورَاحَتُهَا الأخْرَى طِعَانٌ تُعاوِرُهْ
- ولَوْ كانَ لاقاهُ ابنُ مامَةَ لانتَهَى
- وَجُودُ أبي الأشبالِ يَعلُوهُ زَاخرُهْ
- فَما أحيَ لا أجعَلْ لساني لِغَيْرِكُمْ،
- وَلا مِدَحي مَا حَيّ للزّيتِ عاصِرُهْ
- فَلَوْلا أبُو الأشْبَالِ أصْبَحْتُ نَائِياً
- وَأصْبَحَ في رِجْلَيَّ قَيْدٌ أُحَاذِرُهْ
- تَدارَكَني مِنْ هُوّةٍ كانَ قَعْرُهَا
- بَعِيداً وَأعْلاها كَؤودٌ مَصَادِرُهْ
- فَأصْبَحْتُ مِثْلَ الظّبْيِ أفلتَ بعدما
- منَ الحَبلِ كانَتْ أعلَقَتهُ مَرَائِرُهْ
- طَلِيقاً لِرَبّ العالَمِينَ، وَللّذِي
- يَمُنّ عَلى الأسْرَى وَجَارٍ يُجاوِرُهْ
- طَلِيقَ أبي الأشْبَالِ، أصْبَحَ جَارُهُ
- على حَيثُ لا يدنو من الطَّوْدِ طَائِرُهْ
- فَمَا أنَا إلاّ مِنْكُمُ مَا تَعَلّقَتْ
- حَيَاتي إلى اليَوْمِ الّذي أنَا صَائِرُهْ
- وَمَا لي شَيْءٌ كَانَ يُوفي بِنِعْمَةٍ
- عَليّ لَكُمْ مِنْ فَضْلِ ما أنا شاكِرُهْ
- وَلَوْ أنّ نَفْساً لي تَمَنّتْ سِوَى الذي
- لَقِيتُ لَكَانَ الدّهْرُ بي ذَلّ عاثِرُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه