الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> وبيض كأرآم الصريم ادريتها >>
قصائدالفرزدق
وبيض كأرآم الصريم ادريتها
الفرزدق
- وَبِيضٍ كَأرْآمِ الصّرِيمِ ادّرَيْتُهَا
- بَعَيْني وقَد عارَ السِّماكُ وَأسحَرَا
- وَسُودِ الذُّرَى بِيض الوُجُوهِ كأنّها
- دُمى هَكِرٍ يَنضحنَ مِسكاً وَعَنبرَا
- تَرَاخَى بهِنّ اللّيْلُ يَتْبَعْنَ فَارِكاً
- يضِيءُ سَنَاهَا سَابِرِيّاً مُزَعْفَرَا
- وَقُلنَ لها: يا هِندُ! لا تَبْعدي بِنَا،
- فإنّا نَخَافُ اللّيْلَ أنْ يَتَقَفّرَا
- عَلَينا، ونَخشَى النّاسَ أنْ يَشعرُوا بِنا
- فَيُصْبِحَ ما نخشَى عَلَينا مُشَنَّرَا
- فجئتُ من الجَنبِ الجَحيشِ وَقد أرَى
- مَخافَةَ مَنْ يأتي الرَّبَابَ وَشَعفَرَا
- فَعَاطَيْننَا الأفْوَاهَ، حَتى كَأنّمَا
- شَرِبْنا بِرَاحٍ مِنْ أبَارِيقِ تُسْتَرَا
- فَلَمْ أدْرِ ما بُرْدايَ حَتى إذا انجَلى
- سوَادُ الدُّجى عن وَاضِحِ اللوْن أشقرَا
- تَنَعَّلْنَ أطْرَفَ الرِّيَاطِ، وَواءَلَتْ
- مَخافَةَ سَهْلِ الأرْضِ أن يَتقفّرَا
- وَقُلْتُ لَهُنّ: احْذُونَنا، فحَذَوْنَنا
- شَبَارِيقَ رَيْطٍ، أوْ رِداءً مُحَبَّرَا
- فَلَمْ أرَ قَوْماً يَحْتَذُونَ فعَالَنا،
- ولا مَجِلساً أحْلى حَدِيثاً وَأنْضَرَا
- مِنَ المَجْلِسِ المُسْتَأنِسِينَ كأنّهُمْ
- لَدَى حَرْمَلِ البَطحَاءِ جنّانُ عَبقَرَا
- مَتى مَا تَرِدْ يَوْماً سَفَارِ تَجِدْ بهَا
- أُدَيْهِمَ يَرْمي المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرَا
- يَظلّ إلى أنْ تَغرُبَ الشمسُ قَائِماً
- تشمُّسَ حِرْباءِ الصُّوَى حينَ أظهَرَا
- يُطَرِّدُ عَنْهَا الجَائِزِينَ، كَأنّهُ
- غُرَابٌ عَلى أنْبَاثِهَا غَيرُ أعْوَرَا
- أأسْقَيْتَهَا وَالعُودُ يَهتَزّ في النّدى
- كَأنّ بجَنْبَيْهِ زَرَابيَّ عَبْقَرَا
- فَلَمّا رَجَعْنا للّذِي قُلْتَ قَائِظاً،
- أبَيْتَ، وَكانَتْ عِلّةً وَتَعَذُّرَا
- فَلَمّا احتَضَرْنَا للجَوَازِ وَقَوّمَتْ
- على الحَوْض رَاموها من الشُّرْبِ مُنكَرَا
- فَقالوا: ألا قَبْرُ الهُذَيْلِ مَجازُها؟
- فقلتُ لهمْ: لمْ تُصْدروا الأمرَ مُصْدَرَا
- أتَشرَبُ أسلابَ امرِىءٍ كانَ وَجْهُهُ
- إذا أظلمتْ سِيما امرِىءِ السوء أسفرَا
- كَذَبتُمْ وَآياتِ الهُدى لا تَذُوقُهُ
- لَبُوني وَإنْ أمْسَتْ خَوَامسَ ضُمَّرَا
- أنَفْتُ لَهُ بِالسّيْفِ لَمّا رَأيْتُهَا
- تَدُكّ بِأيْدِيهَا الرَّكِيَّ المُعَوَّرَا
- يَفُضّ عَرَاقِيبَ اللّقَاحِ، كَأنّهُ
- شِهَابُ غَضاً شَيّعْتَهُ فَتَسَعّرَا
- ألَيْسَ امرُؤٌ ضَيْفاً وَقد غابَ رَهطُهُ
- وَلَوْ سِيمَ حَيّاً مِثلَ هذا لأنْكَرَا
- أجادَتْ بِهِ مِنْ تَغْلِبَ ابنَةِ وَائِلٍ
- حَصَانٌ لقَرْمٍ من رَبِيعَةَ أزْهَرَا
- فَمَنْ مُبْلِغٌ فِتْيَانَ تَغْلِبَ أنّني
- عَقَرْتُ على قَبْرِ الهُذَيلِ ليُذكَرَا
- وَرُحْنا بأُخْرَى ما أجازُوا وَبَرّكَتْ
- على الحَوْضِ مِنها جِلّةٌ لَنْ تَثَوَّرَا
- رَأتْ ذائداً حُرّاً، فَطَيّرَ سَيْفُهُ
- عَنِ الحَوْضِ أولادها فأجلَينَ نُقَّرَا
- وَباتَتْ بِجُثْمَانِيّةِ المَاءِ بَيْتُهَا
- إلى ذاتِ رِجْلٍ كَالمَآتِمِ حُسَّرَا
- يُحَبِّسُهَا جَنبَي سُفَيرٍ، وَيتّقي
- عَلَيْها ضَغَابيسَ الحِمى أنْ تُعقَّرَا
- وَقَدْ سُمّنَتْ حَتى كَأنّ مَخاطَها
- هِضَابُ القَليبِ أوْ فَوادِرُ عَضُوَرَا
- فَأصْبَحَ رَاعِيهَا تَخَالُ قَعودَهُ
- من الجَهدِ قد مَلّ الرّسِيمَ وَأقصَرَا
- مُطِلاًّ على آثَارِهَا مُسْتَقِدّةً،
- كَأنّ بِجَنْبَيْهِ عَقابِيلَ خَيْبَرَا
- وَلَمّا رَأتْ رَأسَ الجُذاعِ كَأنّهُ
- يُعَامِسُ لُجّاً أوْ يُنازِعُ مَعْبَرَا
- تَباشَرْنَ واعصَوْصَبْنَ لَمّا رَأيْنَهُ
- بمُنْصَلِتٍ لا يَرْتَجي مَا تَأخّرَا
- فصَبّحْنَ قَبلَ الوَارِدَاتِ مِنَ القَطا،
- ببَطحَاءِ ذي قَارٍ، فَضَاءً مُفَجَّرَا
- تَبَلَّعُ حِيتَانَ الفَضَاءِ وَتَنْتَحِي
- بِأعْنَاقِهَا في سَاكِنٍ غَيرِ أكَدَرَا
- إذا الحُوتُ مِنْ حَوماتهنّ اختَلَجَنَهُ
- تَزعّمَ في أشْداقِهِنّ، وَجَرجَرَا
- فَوَلّتْ أُصَيْلالاً وَقَد كانَ بَعدَهَا
- ضفَادِعُ ما نَالَتْ مِنَ العَينِ خُزَّرَا
- فَأضْحَتْ غَداةَ الغِبِّ عَنّا كَأنّما
- يُدالي بهِا الرّاعي غَماماً كَنَهْورَا
- وَلَو شاءَ يَعسُوبُ الطُّفاوَة أصْبَحَتْ
- رِواءً بجَيّاشِ الخَسِيفَةِ أقْمَرَا
- وَلاقَتْ مِنَ الحِرْمازِ أوْلادَ مِجشَإٍ
- وَمِنْ مَازِنٍ شَرِّ القَبَائِلِ مَعشَرَا
المزيد...
العصور الأدبيه