الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> لعمرك ما تجزي مفداة شقتي >>
قصائدالفرزدق
لعمرك ما تجزي مفداة شقتي
الفرزدق
- لعَمْرُكَ ما تَجِزِي مُفَدَّاةُ شُقّتي
- وَإخْطَار نَفْسِي الكَاشِحِينَ وَمَالِيَا
- وَسَيْري إذا ما الطِّرِمْساءُ تَطخطختْ
- على الرّكبِ حتى يَحسبوا القُفَّ وَاديَا
- وَقِيلي لأصْحابي ألَمّا تَبَيّنُوا
- هَوَى النّفْسِ قَد يَبدو لكم من أماميَا
- وَمُنْتَجِعٍ دارَ العَدُوّ كَأنّهُ
- نَشَاصُ الثّرَيّا يَسْتَظِلُّ العَوالِيَا
- كَثِيرِ وَغَى الأصْوَاتِ تَسمَعُ وَسطَهُ
- وَئيداً إذا جَنّ الظّلامُ، وَحَادِيَا
- وَإنْ حَانَ مِنْهُ مَنْزلُ اللّيلِ خِلتَه
- حِرَاجاً تَرَى مَا بَيْنَهُ مُتَدَانِيَا
- وإنْ شَذّ مِنْهُ الألْفُ لمْ يُفْتَقَدْ له
- وَلَوْ سَارَ في دارِ العَدُوّ لَيَالِيَا
- نَزلْنَا لَهُ، إنّا إذا مِثْلُهُ انْتَهَى
- إلَيْنَا قَرَيْنَاهُ الوَشِيجَ المَوَاضِيَا
- فَلَمّا التَقَيْنا فَاءَلَتْهُمْ نحُوسُهُمْ
- ضِرَاباً تَرَى ما بَيْنَهُ مُتَنَائِيَا
- وَأخُبرْتُ أعمامي بَني الفِزْرِ أصْبحوا
- يَوَدّونَ لَوْ أزْجَوْا إليّ الأفَاعِيَا
- فإنْ تَلْتَمِسْني في تَمِيمٍ تُلاقِني
- بِرَابِيَةٍ غَلْبَاءَ، تَعْلُو الرّوَابِيَا
- تَجِدْني وَعَمْروٌ دونَ بَيْتي وَمالكٌ
- يُدِرّونَ للنَّوْكَى العُرُوقَ العَوَاصِيَا
- بكُلّ رُدَيْنيٍّ حَدِيدٍ شَبَاتُهُ،
- فَأُولاكَ دَوّخْنَا بهِنّ الأعَادِيَا
- وَمُسْتَنِبحٍ وَاللّيلُ بَيْني وَبَيْنَهُ
- يُرَاعي بِعيْنَيْهِ النّجُومَ التّوَالِيَا
- سرَى إذْ تَغشى اللّيلُ تَحمِلُ صَوْتَهُ
- إليَّ الصَّبَا، قد ظَلّ بالأمسِ طَاوِيَا
- دَعَا دَعْوَةً كَاليأسِ لمّا تحَلّقَتْ
- بهِ البِيدُ وَاعْرَوْرَى المِتانَ القَياقِيَا
- فقُلتُ لأِهْلي: صَوْتُ صَاحبِ نَفرَةٍ
- دَعا أوْ صَدًى نادى الفِرَاخَ الزّوَاقِيَا
- تأنّيْتُ وَاستَسمَعتُ حتى فَهِمتُهَا،
- وَقد قَفّعتْ نكباء مَن كانَ سارِيَا
- فقُمتُ وَحاذَرْتُ السُّرَى أن تَفوتَني
- بذي شُقّةٍ تَعلو الكُسورَ الخَوَافِيَا
- فَلَمّارَأيْتُ الرّيحَ تَخْلِجُ نَبْحَهُ
- وَقَدْ هَوّرَ اللّيلُ السّماكَ اليَمَانِيَا
- حَلَفْتُ لهُمْ إنْ لمْ تُجِبْهُ كِلابُنَا
- لأسْتَوْقِدَنْ نَاراً تُجِيبُ المُنَادِيَا
- عَظِيماً سَنَاهَا للعُفَاةِ، رَفِيعَةً،
- تُسامِي أُنُوفَ المُوقِدينَ فنائِيَا
- وَقُلْتُ لعَبْدَيَّ: اسْعَرَاها، فإنّهُ
- كَفَى بِسَنَاهَا لابنِ إنْسِكَ داعِيَا
- فَما خَمَدَتْ حتى أضَاءَ وَقُودُهَا
- أخَا قَفْرَةٍ يُزْجي المَطِيّةَ حَافِيَا
- فَقُمْتُ إلى البَرْكِ الهُجودِ، ولم يكن
- سِلاحي يُوَقّي المُرْبِعَاتِ المَتَالِيَا
- فخُضْتُ إلى الأثْنَاءِ مِنْهَا وَقد ترَى
- ذَواتِ البَقَايَا المُعسِنات مَكَانِيَا
- وَما ذاكَ إلاّ أنّني اخْتَرْتُ للقِرَى
- ثَنَاءَ المِخاضِ والجِذاعَ الأوَابِيَا
- فمكّنتُ سَيْفي من ذَوَاتِ رِمَاحِهَا
- غِشاشاً، ولَمْ أحفِلْ بكاءَ رِعَائِيَا
- وَقُمْنَا إلى دَهْمَاءَ ضَامِنَةٍ القِرَى
- غَضُوبٍ إذا ما استْحمَلُوها الأثافِيَا
- جَهولٍ كَجوْفِ الفِيلِ لم يُرَ مثلُها،
- تَرَى الزَّوْرَ فيها كالغُثَاءَةِ طَافِيَا
- أنَخَنا إلَيها مِنْ حَضِيضِ عُنَيْزَةٍ
- ثَلاثاً كَذَوْدِ الهَاجرِيّ رَوَاسِيَا
- فَلَمّا حَطَطْنَاها عَلَيْهِنّ أرْزَمَتْ
- هُدُوءاً وَألقَتْ فَوْقَهُنّ البَوَانِيَا
- رَكُودٍ، كَأنّ الغَلْيَ فِيهَا مُغِيرَةً،
- رَأتْ نَعَماً قَدْ جَنّهُ اللّيْلُ دانِيَا
- إذا استَحمَشُوها بالوَقُودِ تَغَيّظَتْ
- على اللّحمِ حتى تَترُكَ العَظمَ بادِيَا
- كَأنّ نَهيمَ الغَلْيِ في حُجَرَاتِهَا
- تَمارِي خُصُومٍ عاقدينَ النّوَاصِيَا
- لهَا هَزَمٌ وَسْطَ البُيُوتِ، كَأنّهُ
- صَرِيحِيّةٌ، لا تَحرِمُ اللّحمَ جاديَا
- ذَلِيلَةِ أطْرَافِ العِظَامِ رَقِيقَةٍ،
- تَلَقَّمُ أوْصَالَ الجَزُورِ كمَا هِيَا
- فَمَا قَعَدَ العَبْدَانَ حتى قَرَيْتُهُ
- حَليباً وَشَحْماً من ذُرَى الشوْلِ وَارِيَا
المزيد...
العصور الأدبيه