الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> لئن صبر الحجاج ما من مصيبة >>
قصائدالفرزدق
لئن صبر الحجاج ما من مصيبة
الفرزدق
- لَئِنْ صَبَرَ الحَجّاجُ ما مِنْ مُصِيبَةٍ
- تَكُونُ لِمَرْزُوءٍ أجَلَّ وَأوْجَعا
- مِنَ المُصْطَفى وَالمُصْطفى من ثِقاتِه،
- خَليلَيْهِ إذ بَانَا جَميعاً فَوَدَّعا
- وَلَوْ رُزِئَتْ مِثْلَيْهِما هَضْبَةُ الحمى
- لأصْبحَ ما دارَتْ من الأرْضِ بلْقَعا
- جَناحَا عَتِيقٍ فَارَقَاهُ كِلاهُما،
- وَلَوْ كُسِرَا مِنْ غَيْرِهِ لتَضَعْضَعا
- وَكَانَا وَكانَ المَوْتُ للنّاسِ نُهَيةً،
- سِناناً وَسَيْفاً يَقْطُرُ السّمَّ مُنْقَعَا
- فَلا يَوْمَ إلاّ يَوْمُ مَوْتِ خَلِيفَةٍ
- عَلى النّاسِ من يَوْمَيْهِما كان أفجعَا
- وَفَضْلاهُما مِمّا يُعَدّ كِلاهُما
- على الناسِ مِنْ يَوْمَيهِما كان أوْسَعا
- فَلا صَبْرَ إلاّ دُونَ صَبْرٍ على الذي
- رُزِئْتَ عَلى يَوْم من البأسِ أشْنَعا
- على ابنِكَ وَابنِ الأمّ، إذْ أدرَكَتهما
- المَنايا، وَقَدْ أفْنَينَ عَاداً وَتُبّعا
- ولَوْ أنّ يَوْمَي جُمْعَتَيْهِ تَتَابَعَا
- عَلى جَبَلٍ أمْسَى حُطاماً مُصَرَّعا
- وَلَمْ يكُنِ الحَجّاجُ إلاّ عَلى الّذِي
- هُوَ الدّينُ أوْ فَقْدِ الإمامِ ليَجْزَعا
- وَمَا رَاعَ مَنْعِيّاً لَهُ من أخٍ لَهُ،
- ولا ابنٍ مِنَ الأقوَامِ مِثلاهُما مَعا
- فَإنْ يَكُ أمْسَى فارَقَتْهُ نَوَاهُما،
- فكلُّ امرِىءٍ من غُصّةٍ قَدْ تَجَرّعا
- فَلَيْتَ البَرِيدَينِ اللَّذَينِ تَتَابَعَا
- بِما أخْبَرَا ذاقَا الذُّعافَ المُسَلَّعا
- ألا سَلَتَ الله ابنَ سَلْتى كَمَا نَعَى
- رَبِيعاً تَجَلّى غَيْمُهُ، حِينَ أقلَعا
- فلا رُزْءَ إلاّ الدّينَ أعْظَمُ مِنهُما
- غَداةَ دَعَا ناعِيِهما، ثمّ أسْمَعا
- عَلانِيَةً أنّ السِّماكَينِ فَارَقَا
- مَكانَيْهِما وَالصُّمَّ أصْبَحْنَ خُشّعا
- عَلى خَيْرِ مَنْعِيّينِ، إلاّ خَلِيفَةً،
- وَأولاهُ بالمَجدِ الّذي كانَ أرْفَعا
- سَمِيَّيْ رَسُولِ الله سَمّاهُما بِهِ
- أبٌ لمْ يكُنْ عندَ المُصِيباتِ أخْضَعا
- أبٌ كان للحَجّاجِ لمْ يُرَ مِثْلُهُ
- أباً، كان أبْنَى للمَعالي وَأنْفَعا
- وَقائِلَةٍ لَيْتَ القِيامَةَ أُرْسِلَتْ
- عَلَينا ولمْ يُجرُوا البَرِيدَ المُقَزَّعا
- ألَيْنَا بِمَخْتُومٍ عَلَيْها مُؤجَّلاً
- ليُبْلِغَناها، عاشَ في الناسِ أجدَعا
- نَعَى فَتَيَيْنَا للطِّعانِ وَللقِرَى،
- وَعَدْلَينِ كانَا للحُكومَة مَقْنعَا
- خِيارَينِ كَانَا يَمْنَعانِ ذِمَارَنَا،
- وَمَعقِلَ من يَبكي إذا الرَّوْعُ أفْزَعا
- فَعَيْنَيّ ما المَوْتَى سَوَاءً بُكَاهُمُ،
- فَالبدّمِ، إنْ أنْزَفْتُما المَاء، فادْمَعا
- وَما لَكُما لا تَبْكِيانِ، وقَدْ بكَى
- مِنَ الحَزَنِ الهَضْبُ الذي قد تَقَلّعا
- مَآتِمُ لابْنيْ يُوسُفٍ تَلْتَقي لهَا
- نَوَائِحُ تَنْعَى وَارِيَ الزَّنْدِ أرْوَعا
- نَعَتْ خَيرَ شُبّانِ الرّجالِ وَخَيرَهمْ
- بهِ الشَّيبُ مِنْ أكْنَافِهِ قَدْ تَلَفّعا
- أخاً كانَ أجْزَى أيْسَرَ الأرْضِ كلِّها
- وَأجْزَى ابْنُهُ أمْرَ العِرَاقَينِ أجمَعا
- وَقَدْ رَاعَ للحجّاجِ ناعِيهِما معاً،
- صَبُوراً عَلى المَيْتِ الكَرِيمِ مُفَجَّعا
- وَيَوْمٍ تُرَى جَوْزَاؤهُ مِنْ ظَلامِهِ
- ترَى طَيْرَهُ قَبْلَ الوَقِيعَةِ وَقَّعا
- ليَنْظُرْنَ ما تَقضِي الأسِنّةُ بَيْنَهمْ،
- وَكُلُّ حُسامٍ غِمدُهُ قَد تَسَعْسَعا
- جَعَلْتَ لعافِيها بِكُلّ كَرِيهَةٍ
- جُمُوعاً إلى القَتْلى مَعافاً وَمَشْبَعا
- وَحَائِمَةٍ فَوْقَ الرّماحِ نُسُورُها،
- صَرَعْتَ لعافِيها الكَمِيّ المُقَنَّعا
- بهِنْدِيّةٍ بِيضٍ، إذا مَا تَناوَلَتْ
- مكانَ الصّدى من رَأس عاصٍ تجَعجعا
- وَقد كنتَ ضَرّاباً بها يا ابنَ يوسُفٍ
- جَماجِمَ مَنْ عادَى الإمامَ وَشَيّعا
- جَماجِمَ قَوْمٍ ناكِثِينَ جَرَى بِهمْ
- إلى الغَيّ إبْلِيسُ النِّفاقِ وَأوْضَعا
المزيد...
العصور الأدبيه