قصائدالفرزدق



سلوت عن الدهر الذي كان معجبا
الفرزدق



  • سَلَوْتُ عَنِ الدّهرِ الذي كان مُعجِباً،

  • وَمثلُ الذي قد كان من دَهرِنا يُسْلي

  • وَأيْقَنْتُ أنّي لا مَحَالَةَ مَيّتٌ،

  • فَمُتّبِعٌ آثَارَ مَنْ قَدْ خَلا قَبْلي

  • وَإنّي الذِي لا بُدّ أنْ سَيُصِيبُهُ

  • حِمَامُ المَنايا مِنْ وَفَاةٍ وَمن قَتْلِ

  • فَما أنَا بالباقي، ولا الدّهرُ، فَاعلَمي

  • بِرَاضٍ بما قَدْ كانَ أذهبَ من عقلي

  • وَلا مُنصِفي يَوْماً، فأُدْرِكَ عِنْدَهُ

  • مَظالَمهُ عِندِي، وَلا تارِكاً أكْلي

  • وَأينَ أخِلاَئي الّذِينَ عَهدْتُهُمْ،

  • وَكُلُّهُمُ قَد كان في غِبطَةٍ مِثْلي

  • دَعَتهُمْ مَقادِيرٌ، فأصْبَحتُ بَعدهمْ

  • بَقِيّةَ دَهْرٍ لَيسَ يُسبَقُ بالذَّحلِ

  • بَلَوْتُ مِنَ الدّهرِ الذي فيهِ وَاعِظٌ،

  • وَجارَيتُ بالنُّعمَى وَطالَبتُ بالتَّبْلِ

  • وَجُرّبْتُ عِندَ المُضْلِعاتِ، فلمْ أكنْ

  • ضَرِيعَ زَمَانٍ، لا أُمِرُّ وَلا أُحْلي

  • وَبَيْدَاءَ تَغْتَالُ المَطيَّ قَطَعْتُها

  • برَكّابِ هَوْلٍ لَيسَ بالعاجزِ الوَغلِ

  • إذا الأرْضُ سَدّتها الهَواجرُ وارْتدَتْ

  • مُلاءَ سَمُومٍ لمْ يُسَدَّينَ بالغَزْلِ

  • وَكانَ الّذي يَبْدُو لَنا مِنْ سَرَابِها

  • فُضُولُ سُيولِ البحرِ من مائه الضَّحلِ

  • وَيَدْعُو القَطا فيها القَطا، فيُجيبُهُ

  • تَوَائِمُ أطْفَالٍ منَ السّبسبِ المَحل

  • دَوَارِجُ أخْلَفْنَ الشّكِيرَ، كأنّما

  • جَرَى في مآقيها مَرَاوِدُ منْ كُحْلِ

  • يُسَقِّينَ بِالمَوْماةِ زُغْباً نَوَاهِضاً،

  • بَقَايَا نِطافٍ في حَوَاصِلِهَا تَغْلي

  • تَمُجّ أداوَي في أداوَى بها استَقَتْ،

  • كما استفرَغَ الساقي من السَّجلِ بالسجلِ

  • وَقَد أقطَعُ الخَرْقَ البَعيدَ نِياطُهُ،

  • بمائرَةِ الضَّبْعَينِ وَجناءَ كالهِقْلِ

  • تَزَيّدُ في فَضْلِ الزِّمَامِ، كَأنّهَا

  • تُحاذِرُ وَقْعاً مِنْ زَنابيرَ أوْ نَحْلِ

  • كَأنّ يَدَيْها في مَرَاتِبِ سُلّمٍ،

  • إذا غاوَلتْ أوْبَ الذّرَاعينِ بالرِّجْلِ

  • تأوّهُ مِنْ طُولِ الكَلالِ وَتَشتَكي،

  • تأوُّهَ مَفْجُوعٍ بثُكلٍ على ثُكْلِ

  • إلَيْكَ أمِيرَ المُؤمِنينَ أنَخْتُهَا،

  • إلى خَيرِ مَنْ حُلّتْ لهُ عُقَدُ الرّحلِ

  • إلى خَيرِهمْ فيهمْ قَديماً وَحَادِثاً،

  • مَعَ الحِلمِ والإيمانِ وَالنّائلِ الجَزْلِ

  • وَرِثتَ أباكَ المُلكَ تَجرِي بسَمتِهِ،

  • كذلك خُوطُ النّبعِ يَنبُتُ في الأصْلِ

  • كَداوُدَ إذْ ولَّى سُلَيْمَانَ بَعْدَهُ

  • خِلافَتَهُ نِحْلاً من الله ذي الفَضْلِ

  • يَسُوسُ من الحِلمِ الذي كانَ رَاجِحاً

  • بأجْبالِ سَلمَى من وَفاءٍ وَمن عَدلِ

  • هُوَ القَمَرُ البَدْرُ الذي يُهتَدَى بِهِ

  • إذا ما ذُوُو الأضْغانِ جارُوا عن السُّبلِ

  • أغَرَّ تعرَى نُوراً لبَهْجَةِ مُلْكِهِ،

  • عَفُوّاً طَلُوباً، في أنَاةٍ وَفي رِسْلِ

  • يَفِيضُ السِّجالَ النّاقِعاتِ من النّدَى،

  • كما فاضَ ذو مَوْجٍ يقمِّصُ بالجَفلِ

  • وكمْ مِنْ أُناسٍ قَدْ أصَبْتَ بنِعمةٍ،

  • وَمنْ مُثقَلٍ خَفّفتَ عنه منَ الثِّقْلِ

  • وَمِنْ أمْرِ حَزْمٍ قَدْ وَليتَ نَجِيَّهُ

  • برَأيٍ جَميعٍ مُستَمِرٍ قُوَى الحَبْلِ

  • قَضَيْتَ قَضَاءً في الخِلافَةِ ثَابِتاً

  • مُبِيناً، فقد أسمَعتَ مَن كان ذا عَقلِ

  • فمَنْ ذا الذي يَرْجو الخِلافةَ منهُمُ،

  • وَقَدْ قُمتَ فيهمْ بالبَيانِ وَبالفَصْلِ

  • وَبَيّنْتَ أنْ لا حَقّ فِيها لخاذِلٍ،

  • تَرَبّصَ في شَكٍّ، وَأشفَقَ من مَثلِ

  • وَلا لامرِىءٍ آتَى المُضِلّينَ بَيْعَةً،

  • رَأى الحرْبَ أبدتْ عن نوَاجذها العُصْلِ

  • وَمَدّ يَداً مِنْهُ لِبَيْعَةِ خَاسِرٍ،

  • وَمال المُكْسِدُ المَغبونُ كالرّابحِ المغلي

  • وَعانَدَ لمّا أنْ رَأى الحَرْبَ شَمّرَتْ،

  • عِنادَ الخَصيّ الجَوْنِ صَدّ عن الفحلِ

  • فَما بالُ أقوَامٍ بَدا الغِشُّ منِهُمُ،

  • وَهُمْ كُشُفٌ عندَ الشّدائدِ وَالأزْل

  • يُداوُونَ مِنْ قَرْحٍ أدانِيهِ قَد عَتَا

  • على الدّاءِ لمْ تُدْركْ أقاصِيهِ بالفُتلِ

  • وَقد كانَ فِيما قَد تَلَوْا من حديِثهمْ

  • شِفاءٌ، وكانَ الحِلمُ يَشفي من الجَهلِ

  • وَإلاّ، فَإنّ المَشْرَفِيّةَ حَدُّهَا

  • دَوَاءٌ لهُمْ غَيرَ الدّبيبِ وَلا الخَتْلِ

  • أوِ النّفيُ حتى عَرْضُ أرْضٍ وَطولُها

  • عَلَيهمْ كَبَيتِ القَينِ أُغلِقَ بالقَفلِ

  • وَقد خَذَلوا مَرْوَانَ في الحَرْبِ وَابنَه

  • أبَاكَ وَأدْلَوْا فيهما معَ مَنْ يُدْلي

  • وَكانَا إذا مَا كان يَوْمُ عَظِيمَةٍ،

  • حَمولَينِ للأثقالِ في الأمرِ ذي البَزْلِ

  • فَصَلّى على قَبْرَيْهِمَا الله، إنّمَا

  • خَلائِقُهُ مِنْهَا على سُنّةِ الرّسْلِ

  • فَفُزْتَ بما فَازَا بِهِ مِنْ خِلافَةٍ،

  • وَزِدتَ على مَن كانَ قَبلَك بالحَصْلِ

  • بعافِيَةٍ كَانَتْ مِنَ الله جَلّلَتْ

  • مَشارِقَها أمْناً إلى مَغْرِبِ الأُمْلِ

  • وَكُنتَ المُصَفّى من قرَيشٍ وَلمْ يكُنْ

  • لوَطْئِكَ فيهمْ زَيْغُ كَعْبٍ وَلا نَعلِ

  • أشارُوا بهَا في الأمْرِ غَيرَكَ مِنْهُمُ،

  • وَوَلاّكها ذو العرْشِ نَحلاً من النُّحلِ

  • حَبَاكَ بهَا الله الّذِي هُوَ سَاقَهَا

  • إلَيكَ فقَدْ أبْلاكَ أفْضَلَ ما يُبْلي

  • وَسِيقتْ إلى مَن كانَ في الحرْبِ أهلَها

  • إلى وَاضِحٍ بادٍ مَعالمُهُ، سَهْلِ

  • وَمَا أصْلَتُوا فهيها بسَيْفٍ عَلمْتُهُ،

  • وَلا بِسِلاحٍ مِنْ رِمَاحٍ وَلا نَبْلِ

  • فَنُصْحي لكُمْ قادَ الهَوَى من بلادِهِ

  • إلى مَنبِتِ الزّيتونِ من مَنبِتِ النّخْلِ



أعمال أخرى الفرزدق



المزيد...

العصور الأدبيه

واجهه المكتبه تفتح على شكل كتاب!

واجهه المكتبه تفتح على شكل كتاب!



تجنب هذه الأخطاء عند شراء شقتك