الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> رعت ناقتي من أم أعين رعية >>
قصائدالفرزدق
رعت ناقتي من أم أعين رعية
الفرزدق
- رَعَتْ نَاقَتي مِنْ أُمّ أعْيَنَ رَعْيَةً
- يُشَلّ بهَا وَضْعاً إلى الحَقَبِ الضَّفْرُ
- يَقُولُونَ، والأمْثَالُ تُضْرَبُ للأسَى:
- أما لكَ عن شَيءٍ فُجِعتَ بهِ صَبرُ
- وَما ذَرَفَتْ عَيناكَ إلاّ لِدِمْنَةٍ
- بِحُزْوَى مَحتْها الرّيحُ بعدكَ وَالقَطْرُ
- أقَامَ بهَا مِنْ أُمّ أعْيَنَ بَعْدَها
- رَمَادٌ وَأحْجَارٌ بِرَابِيَةٍ قَفْرُ
- وُقُوفاً بهَا صَحْبي عَليّ، كَأنّني
- بهَا سَلَمٌ في كَفّ صَاحِبِهِ ثَأرُ
- فَقُلْتُ لَهُمْ: سِيرُوا لِما أنْتُمُ لَهُ،
- فَقَدْ طَالَ أنْ زُرْنَا مَنازِلَها الهجرُ
- أما نَحْنُ رَاؤو أهْلِهَا غَيرَ هَذِهِ،
- يَدَ الدّهْرِ، إلاّ أنْ يُلِمّ بهَا سَفْرُ
- إذا كان رَأسُ المَرْءِ أشْيَبَ هَكَذا
- وَلمْ يَنْهَ عَنْ جَهلٍ فليس لَهُ عُذرُ
- وَمَغْبُوقَةٍ دُونَ العِيَالِ، كَأنّهَا
- جَرَادٌ إذا أجْلى معَ الفَزَعِ الفَجْرُ
- عَوَابِسَ ما تَنفَكّ تحتَ بُطُونِهَا
- سَرَابِيلُ أبْطَالٍ بَنَائِقُها حُمْرُ
- ترَكنَ ابنَ ذي الجَدَّينِ يَنشِجُ مُسنَداً
- وَلَيسَ لَهُ إلاّ ألاءَتَهُ قَبْرُ
- وَهُنّ بشِرْحافٍ تَدارَكْنَ دَالِقاً،
- عُمَارَةَ عَبْسٍ بعدما جَنَحَ العَصْرُ
- وَهُنّ على خَدَّيْ شُتَيرِ بن خَالِدٍ
- أُثِيرَ عَجَاجٌ مِنْ سَنابكِها كُدْرُ
- وَيوْماً على ابن الحَوْنِ جالَتْ جيادُهم
- كما جالَ في الأيدي المُجَرَّمةُ السُّمرُ
- إذا سُوّمَتْ للبَأسِ أغْشَى صُدُورَها
- أُسُودٌ عَليها المَوْتُ عادتُها الهَصْرُ
- غَداةَ أحَلّتْ لابنِ أصْرَمَ طَعْنَةٌ،
- حُصَينٌ، عَبيطاتِ السّدائفِ والخَمرُ
- بها زَايلَ ابنُ الجَونِ مُلكاً وَسَلّبَتْ
- نِسَاءٌ على ابنِ الجَوْنِ جدّعها الدّهرُ
- خَرَجنَ حَرِيرَاتٍ وَأبْدَينَ مِجْلَداً
- وَجالَتْ عَلَيهنّ المُكَتَّبَةُ الصّفْرُ
- إذا حَلّتِ الخَرْمَاءَ عَمرُو بنُ عامِرٍ
- وَسَالَتْ عَليها مِنْ مَناكِبها بَكرُ
- بحَيٍّ جُلالٍ يَدْفَعُ الضَّيْمَ عَنهُمُ
- هَوَادِرُ في الأجَوافِ لَيسَ لها سَبرُ
- رَأيْتُ تَميماً يَجْهَشُونَ إلَيْهِمُ،
- إذا الحَرْبُ هَزّتها كَتَائِبُها الخُضرُ
- وَإنْ هَبَطَتْ أرْطَى لُهابٍ ظَعِينَةٌ
- تميمِيّةٌ حَلّتْ إذا فَزِعَ النَّفْرُ
- وَلَيْسَ رَئِيسٌ زَارَ ضَبّةَ مُخْطِئاً
- يَدَيْهِ اصْفِرَارٌ بالأسِنّةِ أوْ أسْرُ
- يَهُزّونَ أرْمَاحاً طِوَالاً مُتُونُهَا،
- بهِنّ الغِنى يَوْمَ الوَقِيعَةِ وَالفَقْرُ
- وَأوْثَقُ مَالٍ عِنْدَ ضَبّةَ بِالغِنى،
- إذا احْتَرَبَ النّاسُ، الإباحَةُ وَالقسرُ
- وَكَانَتْ إذا لاقَتْ رَئيساً رِمَاحُهُمْ
- عَلَيِهنَّ أنْ يَبعَجْنَ سُرّتَهُ نَذْرُ
- وَزَائِرَةٌ آبَاءَهَا بَعْدَمَا التَقَتْ
- جَوَانحُهَا مَا كانَ سِيقَ لها مَهْرُ
- إذا مَا ابنُها لاقَى أخَاهَا تَعَاوَرَا
- عُيوناً من البَغضَاء أبْصَارُها خُزْرُ
- وَيَمْنَعُها مِنْ أنْ يَقُولَ: سَبِيّةٌ،
- بَنُونَ لهَا مِنْ غَيرِ أُسْرَتِها زُهْرُ
- فَما ضَرّ إهْلاكُ الكَرَائِمِ غَالِباً
- مِنَ المالِ إذْ وَارَى شَمائلَهُ القَبْرُ
- وَلا حاتِماً، أزْمَانَ لَوْ شَاءَ حاتِمٌ
- مِنَ المَالِ وَالأنْعامِ كانَ لَهُ وَفْرُ
- وَما قَبَضَتْ كَفّاً يَدٌ دُونَ مَالِهَا
- لِتَمْنَعَهُ، إلاّ سَيَمْلِكُهُ الدّهْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه