الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> تضاحكت أن رأت شيبا تفرعني >>
قصائدالفرزدق
تضاحكت أن رأت شيبا تفرعني
الفرزدق
- تَضَاحَكَتْ أنْ رَأتْ شَيباً تَفَرّعَني،
- كأنّها أبصَرَتْ بَعَضَ الأعاجيبِ
- مِنْ نِسْوَةٍ لبَني لَيْثٍ وَجيرَتِهمْ،
- بَرّحنَ بالعينِ من حُسنٍ وَمن طيبِ
- فَقُلْتُ إنّ الحَوَارِيّاتِ مَعْطَبَةٌ،
- إذا تَفَتّلْنَ مِنْ تَحْتِ الجلابيبِ
- يَدْنُونَ بالقَوْلِ، والأْحشَاءُ نَائِيَةٌ،
- كدأبِ ذي الصَّعنِ من نأيٍ وَتقرِيبِ
- وَبالأمانيّ، حَتى يَخْتَلِبْنَ بِهَا
- مَن كانَ يُحسَبُ منّا غيرَ مَخلوبِ
- يأبَى، إذا قلتُ أنسَى ذِكرَ غانِيَةٍ،
- قلَبٌ يَحِنّ إلى البِيضِ الرّعابيبِ
- أنْتِ الهَوَى، لَوْ تُوَاتِينا زِيَارَتُكُمْ،
- أوْ كانَ وَلْيُكِ عَنّا غَيرَ محْجُوبِ
- يا أيّها الرّاكِبُ المُزْجي مَطِيّتَهُ،
- يُرِيدُ مَجْمَعَ حاجاتِ الأرَاكِيبِ
- إذا أتَيْتَ أميرَ المُؤمِنينَ فَقُلْ،
- بالنّصْحِ وَالعِلْمِ، قَوْلاً غيرَ مكذوبِ
- أمّا العِرَاقُ فَقَدْ أعطَتكَ طاعَتَها،
- وَعَادَ يَعْمُرُ مِنْهَا كُلُّ تَخْرِيبِ
- أرْضٌ رَمَيْتَ إلَيها، وَهْيَ فاسِدَةٌ،
- بِصَارِمٍ مِنْ سُيُوفِ الله مَشْبُوبِ
- لا يَغْمِدُ السّيفْ إلاّ مَا يُجَرِّدُهُ
- على قَفَا مُحْرِمٍ بِالسّوقِ مَصْلوبِ
- مُجَاهِدٍ لِعُداةِ الله، مُحْتَسِبٍ
- جِهادَهُمْ بِضِرَابٍ، غَيرَ تَذْبيبِ
- إذا الحْرُوبُ بَدَتْ أنيابُهَا خَرَجَتْ
- ساقَا شِهابٍ، على الأعداء، مَصْبوبِ
- فالأرْضُ لله وَلاّهَا خِلِيفَتَهُ،
- وَصَاحِبُ الله فِيهَا غَيرُ مَغْلُوبِ
- بَعْدَ الفَسَادِ الّذي قَد كانَ قامَ بهِ
- كَذّابُ مكّةَ من مَكْرٍ وَتَخرِيبِ
- رَامُوا الخِلافَةَ في غَدْرٍ، فأخطأهُم
- مِنْهَا صُدُورٌ، وَفَازُوا بالعَرَاقِيبِ
- كانوا كسالِئَةٍ حَمقاءَ إذْ حَقَنَتْ
- سِلاءَهَا في أديمٍ غَيرِ مَرْبُوبِ
- والنّاسُ في فِتنَةٍ عَمياءَ قد تَركَتْ
- أشرَافَهُمْ بَينَ مَقْتُولٍ ومحرُوبِ
- دَعَوْا لِيَسْتخْلفَ الرّحمنُ خيرَهُم،
- والله يَسْمَعُ دَعَوى كُلّ مكْرُوبِ
- فَانقَضّ مِثْلَ عَتِيقِ الطّيرِ تَتْبَعُهُ
- مَساعِرُ الحَرْبِ مِنْ مُرْدٍ وَمن شيبِ
- لا يَعْلِفُ الخَيْلَ مَشدوداً رَحائِلُها
- في مَنْزلٍ بِنَهَارٍ غَيرَ تَأوِيبِ
- تَغْدُو الجِيادُ وَيَغدو وَهوَ في قَتَمٍ
- مِنْ وَقْعِ مُنَعَلَةٍ تُزْجى وَمجْنوبِ
- قِيدَتْ لَهُ من قُصُورِ الشّامِ ضُمّرُها
- يَطلُبْنَ شَرْقيَّ أرْضٍ بَعْدَ تَغرِيبِ
- حتى أناخَ مَكانَ الضّيْف مُغْتَصِباً
- في مُكْفَهرَّينِ مِثْلَيْ حرّةِ اللُّوبِ
- وَقد رَأى مُصْعَبٌ في ساطِعٍ سَبِطٍ
- مِنْهَا سَوَابِقَ غارَاتٍ أطانِيبِ
- يَوْمَ تَرَكْنَ لإبْرَاهِيمَ عَافِيَةً
- مِنَ النّسُورِ وُقُوعاً وَاليَعَاقِيبِ
- كَأنّ طَيراً مِنَ الرّايَاتِ فَوْقَهُمُ
- في قَاتِمٍ، لَيْطُها حُمرُ الأنابيبِ
- أشْطانَ مَوْتٍ تَرَاها كُلّما وَرَدَتْ
- حُمراً إذا رُفِعَتْ من بَعدِ تَصْوِيبِ
- يَتْبَعْنَ مَنصُورَةً تَرْوى إذا لَقِيَتْ
- بقانىءٍ من دَمِ الأجوَافِ مَغصُوبِ
- فَأصْبَحَ الله وَلّى الأمْرَ خَيرَهُمُ،
- بَعدَ اختِلافٍ وَصَدعٍ غَيرِ مَشعوبِ
- تُرَاثَ عُثمانَ كانوا الأوْلِيَاءَ لَهُ،
- سِرْبالَ مُلْكٍ عَلَيْهِمْ غيرَ مسلوبِ
- يَحْمي، إذا لَبِسوا، الماذِيُّ مُلكَهُمُ،
- مِثْلَ القُرُومِ تَسَامَى للمَصَاعيبِ
- قَوْمٌ أبُوهُمْ أبُو العاصي أجادَ بهمْ،
- قَرْمٌ نَجِيبٌ لِحُرّابٍ مَناجِيبِ
- قَوْمٌ أُثِيبُوا على الإحسانِ إذْ مَلكوا،
- وَمِنْ يَدِ الله يُرْجى كُلُّ تَثْوِيبِ
- فَلَوْ رَأيْتَ إلى قَوْمي إذا انْفَرَجَتْ
- عن سابِقٍ وَهوَ يجرِي غيرِ مَسبوبِ
- أغَرَّ يُعْرَفُ دُونَ الخَيْلِ مُشتَرِفاً،
- كالغَيْثِ يَحفِشُ أطْرَافَ الشآبيبِ
- كادَ الفُؤادُ تَطِيرُ الطّائِرَاتُ بهِ
- مِنَ المَخافَةِ، إذْ قال ابنُ أيّوبِ
- في الدّار: إنّكَ إن تُحدثْ فقد وَجَبتْ
- فيكَ العُقُوبَةُ مِنْ قَطْعٍ وَتَعذيبِ
- في مَحْبَسٍ يَتَرَدّى فيه ذو رِيَبٍ،
- يُخشَى عَليّ، شديدِ الهَوْلِ مَرْهوبِ
- فقُلتُ: هل يَنفَعَنّي إن حضرْتُكُمْ
- بِطاعَةٍ وَفُؤادٍ مِنك مَرْعُوبِ
- ما تَنْهَ عَنه، فإنّي لَسْتُ قارِبَهُ،
- وَما نَهَى منْ حَلِيمٍ مِثْلُ تَجْرِيبِ
- وَما يَفُوتُكَ شَيْءٌ أنْتَ طالِبُهُ،
- وَما مَنَعْتَ فَشَيءٌ غَيرُ مَقْرُوبِ
المزيد...
العصور الأدبيه