الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> ألم يك جهلا بعد سبعين حجة >>
قصائدالفرزدق
ألم يك جهلا بعد سبعين حجة
الفرزدق
- ألمْ يَكُ جَهْلاً بَعْدَ سَبْعِينَ حِجّةً
- تَذَكُّرُ أُمّ الفَضْلِ وَالرّأسُ أشيَبُ
- وَقيلُكَ: هَلْ مَعرْوفُها رَاجِعٌ لَنَا،
- وَلَيسَ لشيءٍ قَد تَفاوَتَ مَطْلَبُ
- على حِينَ وَلّى الدّهْرُ إلاّ أقَلّهُ،
- وكادَتْ بَقايا آخِرِ العَيشِ تَذهَبُ
- فإنْ تُؤذِنينا بِالفِرَاقِ، فَلَسْتُمُ
- بِأوّلِ مَنْ يَنْسَى، وَمَنْ يَتَجَنّبُ
- ورُبّ حَبيبٍ قَدْ تَناسَيْتُ فَقْدَهُ،
- يَكَادُ فُؤادي إثْرَهُ يَتَلَهّبُ
- أخي ثِقَةٍ في كلّ أمْرٍ يَنُوبُني،
- وَعِنْدَ جَسِيمِ الأمْرِ لا يَتَغَيّبُ
- قَرَعْتُ ظنابيبي على الصّبْرِ بعْدَهُ،
- فقدْ جَعلتْ عنهُ الجَنائبُ تُصْحِبُ
- دعاني سَيّارٌ وَقَدْ أشْرَفَتْ بِهِ
- مَهالِكُ يُلْفَى دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
- فَقُلتُ لَهُ: إِنِّن أخُوكَ الَّذِي بِهِ
- تَنُوءُ إذا عَمَّ الدّعَاءَ المُثَوِّبُ
- فإنْ تَكُ مَظْلُوماً، فإنّ شِفَاءهُ
- بِوَرْدٍ، وبَعْضُ الأمْرِ للأمْرِ مُجلبُ
- هُوَ الحَكمُ الرّاعي وَأنْتَ رَعِيّةٌ،
- وكلُّ قضَاءٍ سَوْفَ يُحصَى وَيُكتَبُ
- وأنْتَ وَليُّ الحَقّ تَقْضي بِفَصْلِهِ؛
- وَأنْتَ وَليُّ العَفْوِ إذْ هُوَ مُذْنِبُ
- يَزِينُ عُبَيْداً كُلُّ شَيءٍ بَنَيْتَهُ،
- وَأنْتَ فَتَاهَا وَالصّرِيحُ المُهَذَّبُ
- نَمَتْكَ قُرُومٌ مِنْ حَنيفَةَ جِلّةٌ،
- إلى عيصها الأعلى الذي لا يُشَذَّبُ
- وَجُرْثُومَةُ العِزّ التي لا يَرْومُهَا
- عَدُوٌّ، وَلا يَسْطِيعُهَا المُتَوثِّبُ
- وَمَا قَايَسَتْ حَيّاً حَنِيفَةُ سُوقَةً،
- وَلَوْ جَهِدوا، إلاّ حَنيفَةُ أطْيَبُ
- وكانَتْ إذا خافَتْ تَضَايُق مُقْدَمٍ،
- تَمُدّ بأيديها السّيُوفَ فَتَضْرِبُ
- إذا مَنَعُوا لمْ يُرْج شيءٌ وَرَاءهُمْ،
- وَإنْ لَقِحتْ حرْبٌ يجيئوا فَيرْكبوا
- إلَيْهِمْ رَأتْ ذاكُمْ مَعَدٌّ وَغَيرُهَا
- يُحِلّ اليَتَامَى وَالصّعِيبُ المُعَصَّبُ
- تَحُلّ بُيُوتُ المُعْتَفِينَ إلَيْهِمُ،
- إذا كانَ عامٌ خادعُ النَّوْء مُجْدِبُ
- وَقعْتُمْ بصُفْرِيّ الخَضَارِمِ وَقْعَةً،
- فَجَلّلْتُمُوها عارَها لَيسَ يَذهَبُ
- وَلَمّا رَأوْا بِالأبْرَقَيْنِ كَتِيبَةً
- مُلَملَمةً تَحمي الذّمارَ وَتَغضَبُ
- دَعَا كُلُّ مَنحوبٍ حَنيفةَ فالتَقَتْ
- عَجاجَةُ مَوْتٍ وَالدّماءُ تَصَبّبُ
- وَجَاؤوا بِوِرْدٍ مِنْ حَنيفَةَ صَادِقٍ
- تُطاعِنُ عَنْ أحسابِها وَتُذَبِّبُ
- مَصَاليتُ نَزّالُونَ في حَوْمَةِ الوَغَى،
- تَخُوضُ المَنايا والرّمَاحُ تُخَضَّبُ
- ورائمةٍ وَلّهْتُمُوها، وَفَاقِدٍ
- تَرَكْتُمْ لهَا شَجواً تُرِنّ وَتَنحَبُ
- وَقدْ عَصَبَتْ أهل الشّوَاجنِ خيلُهم؛
- وَقَدْ سَارَ مِنهَا بِالمَجازَةِ مِقْنَبُ
- إذا ورَدُوا المَاءَ الرَّوَاءَ تَظَامَأتْ
- أوَائِلُهُمْ أوْ يَحْفِرُوا ثُمّ يشربَوا
- تَفارَطُ هَمْدَانَ الجِبَالَ وَغافِقاً،
- وَزُهدَ بَني نَهدٍ فتُسمى وَتَحرُبُ
- تَوَثَّبُ بالفُرْسَانِ خُوصاً كَأنّهَا
- سَعَالٍ طَوَاهَا غَزْوُهم فهيَ شُزَّبُ
- وَهُمْ من بَعيدٍ في الحُرُوبِ تَناوَلُوا
- عِياذاً وعَبَدَ الله وَالخَيْلُ تُجذَبُ
- بذي الغافِ من وَادي عُمانَ فأصْبحتْ
- دِماؤهُمُ يُجْرَى بها حيثُ تَشخَبُ
- أذاقُوهُمُ طَعْمَ المَنَايَا، فَعَجَّلوا،
- وَمن يَلقَهم في عَرْصة الموْتِ يُشجُبوا
- شَفَوْا مِنهما ما في النفوسِ وَشَذّبُوا
- بِوَقْعِ العَوَالي كُلَّ مَنْ يَتَكَتّبُ
- وَأضْحَى سَعيدٌ في الحَديدِ مُكَبَّلاً،
- يُعَاني، وَأحْيَاناً يُقَادُ فَيَصْحبُ
- رَأى قَوْمَهُ إذْ كانَ غَدْواً جِلادُهمْ
- مَعَ الصّبحِ حتى كادتِ الشمسُ تغرُبُ
- فَما أُعطيَ المَاعُونُ حتى تَحاسَرَتْ
- عَليهِمْ جُموعٌ من حَنيفَةَ لُجَّبُ
- وَحَتى عَلَوْهُمْ بِالسّيُوفِ كَأنّهَا
- مَصَابِيحُ تَعْلُو مَرّةً وَتَصَبَّبُ
- فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ كَانَ أكْثَرَ عَوْلَةً،
- وَأيْتَم للوِلْدانِ مِنْ يَوْمِ عُوتِبُوا
- وَمَنْ يَصْطَلي في الحَرْبِ ناراً تحُشّها
- حَنيفَةُ يَشقى في الحرُوبِ وَيُغْلَبُ
- وَمَا زَالَ دَرْءٌ مِنْ حَنِيفَةَ يُتّقَى؛
- ومَا زَالَ قَرْمٌ من حَنيفَةَ مُصْعَبُ
- لَهُ بَسْطَةٌ لا يَملِكُ النّاسُ رَدَّها،
- يَدينُ لَهُ أهْلُ البلادِ وَيُحْجَبُوا
- تَرَى للوُفُودِ عَسْكَراً عِنْدَ بَابِهِ،
- إذا غابَ مِنهُمْ مَوْكِبٌ جاء موكِبُ
المزيد...
العصور الأدبيه