الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ، >>
قصائدصفي الدين الحلي
هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ،
صفي الدين الحلي
- هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ،
- فإنْ كنتَ في شكٍّ بذاكَ فسلْ بهِ
- أرانا المعالي كيفَ ينهدّ ركنُها،
- وكيفَ يغورُ البدرُ من بينِ شهبهِ
- أبعدَ غِياثِ الدّينِ يَطمَعُ صَرفُهُ
- بصرفِ خطابِ الناسِ عن ذمّ خطبهِ
- وتخطو إلى عبد الكريمِ خطوبهُ،
- ويطلبُ منّا اليومَ غفرانُ ذنبهِ
- سَليلُ النّبيّ المُصطَفى ، وابنُ عمّهِ،
- ونجلُ الوصيّ الهاشميّ لصلبهِ
- فتًى كانَ مثلَ الغَيثِ يُخشَى وَبالُهُ
- ويُرجَى لطُلاَّبِ النّدى وَبلُ سُحبِهِ
- رَقيقُ حَواشي العَيشِ في يومِ سِلمِهِ،
- كثيفُ حواشي الجيشِ في يومِ حَربِهِ
- فلا يَتّقي الأسيافَ إلاّ بوَجهِهِ،
- ولا يَلتَقي الأضيافَ إلاّ بقَلبِهِ
- ولا ينظرُ الأشياءض إلاّ بعقلِهِ،
- ولا يَسمَعُ الأنباءَ إلاّ بلُبّهِ
- إذا جالَ في يومِ الرّدى قيلَ من له؟
- وإن جادَ في يوِم النّدى قيل مَن بِهِ؟
- أمن بعدِ ما تمتْ محاسنُ بدرهِ،
- ودارتْ على كلّ الوَرى كاسُ حزنِهِ
- دَهَتهُ المَنايا، وهيَ في حدّ سَيفِهِ،
- وصرفُ الليالي وهوَ من بعضِ حبهِ
- كأنْ لم يَقُدْها كالأجادِلِ سُرَّباً،
- ويرفع قبّ الليلِ من نقعِ قبهِ
- ولم يقرعِ الأسماعَ وقعُ خطابهِ،
- ولم يطرقِ الهيجاءَ موقعُ خطبهِ
- ولا كان يومَ الدَّستِ صاحبَ صدرهِ،
- وللجيشِ يومَ الحربِ مَركزُ قُطبِهِ
- أتَعتَزّهُ الأعداءُ في يومِ لَهوِهِ،
- فلاّ أتوهُ جحفلاً يومَ حربهِ
- ولم أرَ قَبلَ اليَومِ لَيثَ عَريكَة ٍ،
- أذاقَتهُ طَعمَ المَوتِ عَضّة ُ كَلبِهِ
- ولو كانَ ما بينَ الصوارمِ والقنا،
- وفوقَ مُتونِ الخَيلِ إدرَاكُ نَحبِهِ
- لكانَ جَميلَ الذّكرِ عن حُسنِ فِعله،
- ينفسُ عن قلبش الفتى بعضَ كربهِ
- أبيُّ قيادِ النفسِ آثرَ حتفهُ،
- ولم يُبدِ يَوماً للعِدى لينَ جَنبِهِ
- كأنّ بني عبد الحَميدِ لفَقدِه،
- ذُرى جبَلٍ هُدّتْ جَلامدُ هَضبِهِ
- أتَسلُبُهُ الأعداءُ مِن بينَ رَهطِهِ،
- وتَغتالُهُ الأيّامُ من دونِ صَحبِهِ
- وتَفقدُهُ في دَولة ٍ ظاهرِيّة ٍ
- بها الذئبُ يعدو رائعاً بينَ سربهِ
- بدَولَة ِ مَلكٍ يَغصبُ اللّيثَ قُوتَهُ،
- ويقتلُ منْ يلقاهُ شدة ُ رعبهِ
- فلو كانَ شمسُ الحقّ والدين شاهداً
- لمَصرَعِ ذاكَ النّدبِ ساعة َ نَدبِهِ
- بكاهُ بأطرافِ الأسنة ِ والظبَى ،
- بدَمعٍ من اللّباتِ مَسقِطُ سَكبِهِ
- وشنّ على عربِ العذارينِ غارة ً
- يَضيقُ بها في البَرّ واسعُ رَحبِهِ
- فتعجبُ لباتُ الكماة ِ بطعنهِ،
- ويُعرِبُ هاماتِ الحُماة ِ بضَربِهِ
- فلا نَقطَ إلاّ من سِنانِ قَناتِهِ،
- ولا شكلَ إلاّ من مضاربِ عضبهِ
- أبا الحربِ بادرْ واتخذها صنيعة ً،
- تُبَدِّلُ مُرَّ القَولِ فيكُم بعَذبِهِ
- فكم لغياثِ الدينِ من حقّ منة ٍ
- تطوقُ بالإنعامِ أعناقَ صحبهِ
- قضَى نَحبَهُ، والذّكرُ منه مُخَلَّدٌ
- بأفواهِنا لم يَقضِ يوماً لنَحبِهِ
- ومُذ رَجَعتْ أترابُهُ من وَداعِهِ،
- تلقاهُ في أكفانِهِ عفوُ ربهِ
- سقَى قبرهُ من صيبِ المزنِ وابلٌ،
- يَجُرّ على أرجائِهِ ذَيلَ خَصبِهِ
- ومن عجبٍ أنّ السحابَ بقبرهِ،
- وأسألُ من صوبِ الحيا ريّ ربهِ
المزيد...
العصور الأدبيه