الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> ما هبّتِ الريحُ إلاّ هزّني الطّرَبُ، >>
قصائدصفي الدين الحلي
ما هبّتِ الريحُ إلاّ هزّني الطّرَبُ،
صفي الدين الحلي
- ما هبّتِ الريحُ إلاّ هزّني الطّرَبُ،
- إذ كانَ للقَلبِ في مَرّ الصَّبا أرَبُ
- لذاكَ إن هَيمَنتْ في الدّوحِ أُنشِدُه:
- بيني وبينكَ يا دَوحَ الحِمى نَسَبُ
- يا جِيرَة َ الشِّعبِ، لولا فَرطُ بُعدِكُمُ
- لمَا غَدا القَلبُ بالأحزانِ يَنتَعِبُ
- فهَلْ يَجودُ بكُمْ عَدلُ الزّمانِ لَنا
- يوماً، وترفعُ فيما بيننا الحُجُبُ
- يا سادَة ً ما ألفنا بعدَهم سكناً،
- ولا اتّخَذنا بَديلاً حينَ نَغتَرِبُ
- بودّكم صارَ موصولاً بكم نسبي؛
- إنّ المَودَة َ في أهلِ النُّهَى نَسَبُ
- جميلُكُم كانَ في رِقّي لكُم سَبَبَا،
- لا يوجدُ الحكمُ حتى يوجدَ السببُ
- فكَيفَ أنساكُمُ بَعدَ المَشيبِ، وقَد
- صاحبتُكم، وجلابيبُ الصِّبا قُشُبُ
- أم كيفَ أصبرُ مغتراً بأُمنية ٍ،
- والدّارُ تبعدُ، والآجال تقتربُ
- قد زرتُكم وعيونُ الخَطبِ تلحظُني
- شَزراً، وتَعثرُ في آثاريَ النُّوَبُ
- وكم قَصدَتُ بلاداً كيْ أمرّ بكُمْ،
- وأنتمُ القَصدُ لا مِصرُ ولا حَلَبُ
- وكم قَطَعتُ إليكُم ظَهَرَ مُقفِرَة ٍ،
- لا تَسحَبُ الذّيلَ في أرجائها السُّحبُ
- ومَهمَهٍ كسماءِ الدَّجنِ معتكرٍ،
- نَواظِرُ الأسدِ في ظَلمائِهِ شُهبُ
- حتى وَصَلتُ إلى نَفسٍ مُؤيَّدَة ً،
- منها النُّهَى واللُّهَى والمجدُ يكتسبُ
- بمجلسٍ لو رآهُ الليثُ قالَ بهِ:
- يا نَفسِ في مثلِ هذا يَلزَمُ الأدَبُ
- مَنازِلٌ لو قَصَدناها بأرؤسِنا،
- لكانَ ذاكَ علَينا بَعضَ ما يَجِبُ
- ملكٌ بهِ افتحرتْ أيّامُهُ شرَفاً،
- واستبشرتْ بمعالي مجدِهِ الرُّتَبُ
- وقالتِ الشمسُ: حسبي أن فخرتُ به،
- وجهي له شَبَهٌ، واسمي لهُ لَقَبُ
- لا يعرفُ العفوَ إلاّ بعدَ مقدرة ٍ،
- ولا يرَى العذرَ إلاّ بعدَما يَهَبُ
- سَماحُهُ عُنوِنَتْ بالبِشرِ غايَتُها،
- كما تُعَنونُ في غاياتِها الكُتُبُ
- وهمة ٌ حارَ فكرُ الواصفينَ لها،
- حتى تشابَهَ منها الصّدقُ والكذِبُ
- قالوا: هوَ البدرُ؛ قلتُ: البدرُ مُمّحِقٌ
- قالوا: هو الشمس؛ قلتُ: الشمس تحتجبُ
- قالوا: هو الغيثُ؛ قلتُ: الغيثُ مُنتظَرٌ.
- قالوا: هو اللّيثُ؛ قلتُ: اللّيثُ يُغتصَبُ
- قالوا: هو السّيلُ ، قلتُ: السّيلُ مُنقطعٌ
- قالوا: هو البحرُ ، قلتُ: البحُر مُضطرِبُ
- قالوا: هو الظلّ؛ قلت: الظلّ مُنتَقلٌ.
- قالوا: هو الدّهرُ؛ قلتُ: الدّهرُ مُنقَلِبُ
- قالوا: هو الطّودُ؛ قلتُ: الطود ذو خرَس.
- قالوا: هو الموتُ؛ قلتُ: الموتُ يُجتَنَبُ
- قالوا: هو السّيفُ؛ قلتُ: السّيفُ ننَدُبه،
- وذاكَ من نفسهِ بالجودِ ينتدبُ
- قالوا: فَما منهمُ يَحكيه؛ قلتُ لهم:
- كلٌّ حكاهُ، ولكنْ فاتَهُ الشنَبُ
- يا ابنَ الذينَ غَدَتْ أيّامُهم عِبَراً
- بينَ الأنامِ، بها الأمثالُ قد ضربُوا
- كالأُسُدِ إن غضِبوا، والموتِ إن طلَبوا،
- والسّيفِ إن نُدبوا، والسّيلِ إن وهبُوا
- إن حكموا عدلوا، أو أمّلوا بَذَلوا،
- أو حوربوا قتلوا، أو غولبوا غَلَبُوا
- سريتَ مسراهمُ في كلّ منقبة ٍ،
- لم يَسرِها بَعدَهم عُجمٌ ولا عَربُ
- وفُقتَهُمْ بخِلالٍ قد خُصِصتَ بها،
- لولا الخصوصُ تساوى العودُ والحطبُ
- حَمَلتَ أثقالَ مُلكٍ لا يُقامُ بها،
- لو حملتها الليالي مسّها التعبُ
- وحُطتَ بالعدلِ أهلَ الأرضِ كلّهمُ،
- كأنّما النّاسُ أبناءٌ، وأنتَ أبُ
- لكلّ شيءٍ، إذا عللتَهُ، سببٌ،
- وأنتَ للرّزقِ في كلّ الورى سببُ
- مولايَ! دِعوَة َ عَبدٍ دارُهُ نَزَحَتْ،
- عليكمُ قربه بل قلبهُ يجبُ
- قد شابَ شعري وشعري في مديحكمُ،
- ودُوّنَتْ بمَعاني نَظميَ الكُتُبُ
- فالنّاسُ تَحسُدُكم فيهِ، وتحسُدُه
- فيكُم، وليسَ له في غَيرِكم طلَبُ
- فلا أرتنا اللّليالي منكمُ بدلاً؛
- ولا خلَتْ منكُمُ الأشعارُ والخُطَبُ
المزيد...
العصور الأدبيه