الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> لو أفادَتنا العَزائِمُ حالا، >>
قصائدصفي الدين الحلي
- لو أفادَتنا العَزائِمُ حالا،
- لم نجدْ حسنَ العزاءِ محالا
- كيفَ يولي العزمُ صبراً جميلاً
- حينَ وارَى التربُ ذاكَ الجمالا
- ما ظَننّا أنّ ريحَ المَنايا
- تَنسِفُ الطّودَ، وتُردي الجِبالا
- جارَ صَرفُ الدّهرِ فينا بعَدلٍ
- لم نجدْ للقولِ فيهِ مؤالا
- أفَما تَنفَكّ أيدي المَنايا
- تسلبُ المالَ، وتفني الرجالا
- فإذا أبدى لها المَرءُ سِلماً،
- جردتْ عضباً، وراشتْ نبالا
- كلّما رُمنا نمُوّ هِلالٍ
- غَيّبَتْ بَدراً أصابَ الكَمالا
- فإذا ما قلتُ قد زالَ حزنٌ،
- أبدلَتْ أحداثُها اللاّمَ دالا
- كيفَ دكّتْ طودَ حِلمٍ نَداهُ،
- سبَقَ الوَعدَ، وأفنى السؤالا
- كيفَ كفّ الدهرُ كفاً كريماً
- ليَمينِ الدّهرِ كانتْ شِمالا
- ثملٌ من نشوة ِ الجودِ أضحَى
- لليتامَى والأيامَى ثمالا
- نِعَمٌ لسائليهِ جَوابٌ،
- لم يَصِلْ يَوماً إلى لَن ولا لا
- دَوحَة ٌ من عِرقِ آلِ وِشاحٍ،
- قد دَنَتْ للطّالبينَ مَنالا
- قد رَسَتْ أصلاً وطابتْ ثِماراً،
- وزكَتْ فَرعاً ومَدّتْ ظِلالا
- أزعَجَ النادي بنَجواهُ ناعٍ،
- كم نفوسٍ في دموعٍ أسالا
- فسمعنا منهُ ندباً لندبٍ
- أبعدَ الصبرً، وأدنَى الخيالا
- باتَ يهدي للقلوبِ اشتغالا
- ولنيرانِ الهُمومِ اشتِعالا
- قد مَرَرنا في مَغانيهِ رَكباً؛
- وغَوادي الدّمعِ تَجري انهمالا
- وسألنا النارَ عنهُ، فقالتْ:
- كانَ تاجُ الدينِ ركناً، فزالا
- كانَ وبلاً للعفاة ِ هتوناً،
- ولأحزابِ العُداة ِ وَبالا
- كانَ تاجُ الدينِ للدهرِ تاجاً،
- زادَ هامُ الدّهرِ منهُ جَمالا
- كانَ زلزالاً لباغ عصاهُ،
- ولباغي الرّفدِ منهُ زُلالا
- كانَ للأعداءِ ذُلاٍّ وبؤساً،
- ولراجي الجُودِ عِزّاً ومالا
- كانَ للنّاسِ جَميعاً كَفيلاً،
- فكأنّ الخلقَ كانوا عيالا
- راعَ أحزابَ العِدى بيراعٍ،
- طالمَا أنشأ السّحابَ الثّقالا
- ناحلِ الجسمِ قصيرٍ دقيقٍ
- دَقّ في الحَربِ الرّماحَ الطّوالا
- يَجعَلُ النّومَ عليهم حَراماً،
- كلّما أبرَزَ سِحراً حَلالا
- فإذا ما خَطّ اسوَدَ نَقشٍ
- خلتهُ في وجنة ِ الدهرِ خالا
- يا كريماً طابَ أصلاً وفرعاً،
- وسما أماً وعمّاً وخالا
- وخليلاً مذْ شربتُ وفاهُ
- لم أردْ نبعاً بهِ أو خلالا
- وإذا ما فهتُ باسمِ أبيهِ،
- كانَ للميثاقِ والعَهدِ فالا
- إنْ أسأنا لم يَرُعْنا بلَومٍ،
- وإذا لمناهُ أبدَى احتمالا
- كانَ عَصرُ الأنسِ منك رُقاداً،
- ولَذيذُ العَيشِ فيهِ خَيالا
- مَن لدَستِ الحُكمِ بعدَك قاضٍ
- لم يَمِلْ يَوماً إذا الدّهرُ مالا
- مَن لإصلاحِ الرّعايا، إذا ما
- أفسدتْ منها يدُ الدّهرِ حالا
- مَن لإطفاءِ الحروبِ، إذا ما
- صارَ آلُ المَرءِ بالكرّ آلا
- وإذا صارَ الجِدالُ جِلاداً،
- أخمدَ الحربَ، وأفنى الجدالا
- ربّ يومٍ معركُ الحربِ فيهِ
- حطّمَ السّمَر وفلّ النّصالا
- ذكرَ الأحقادَ فيهِ رجالٌ،
- حببَ الطعنُ إليها النزالا
- في مَكَرٍّ واسعِ الهَولِ ضَنكٍ،
- لا يُطيقُ الطِّرفُ فيهِ مَجالا
- ألبسَ الجوَّ العجاجُ لثاماً،
- وكسا الخَيلَ الغُبارُ جِلالا
- شمتُ في إصلاحهِم عَضبَ عزمٍ
- فيهِما، إنْ جارَ دَهرٌ ومَالا
- بكَ كَفّ اللَّهُ كفّ الرّزايا،
- وكفَى اللهُ الأنامَ القتالا
- فلَئنْ وارَتكَ أرضٌ، فها قَد
- سارَ منكَ الذكرُ فيها وجالا
- لم يَمُتْ مَن طابَ ذِكراً، وأبقى
- بعدَهُ شبَهاً لهُ أو مِثالا
- أسدٌ خلفَ شبليْ عرينٍ
- شيدا مجداً لهُ لن ينالا
- ظلّ زينُ الدينِ للدهرِ زيناً،
- وجمالُ الدينِ فيهِ جمالا
- فأرانا اللهُ أقصى الأماني
- فيهما، إنْ جاءَ دهرٌ ومالا
- وحباكَ اللهُ في الخلدِ روحاً،
- ونَعيماً خالداً لَنْ يُزالا
المزيد...
العصور الأدبيه