الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ، >>
قصائدصفي الدين الحلي
صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ،
صفي الدين الحلي
- صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ،
- وأيدي المنايا لا يطاقُ لها ردُّ
- تُسالمُنا سَهواً، وتَسطو تَعَمّداً،
- فإسعافُها عَسفٌ، وإقصادُها قَصدُ
- عَجِبتُ لمن يَغَترّ فيها لِجَنّة ٍ
- من العيشِ ما فيها سلامٌ ولا بردُ
- أفي كلّ يومٍ للنوائبِ غارة ٌ
- يشقّ عليها الجيبُ أو يلطمُ الخدّ
- أرى كلّ مألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ،
- فما بالُ فقدِ الإلفِ ليسَ له فقدُ
- فقدتُ رِجالاً كانَ في البؤسِ بأسُهم،
- هوَ الظّهرُ لي والباعُ واليَدُ والزّندُ
- يزيدهم ليلُ الخطوبِ، إذا دجا،
- ضِياءً وحُسنُ الضّدّ يُظهُرُه الضّدّ
- أرى كلّ من يستخلِصُ الشكرَ بعدَهم
- من الناسِ نحراً لا يليقُ به عقدُ
- لذاكَ هجرتُ الإلفَ أعلمُ أنّني
- لكَ السّيفُ لا يُبليهِ، إن بَليَ، الغِمدُ
- وزرتُ بِلاداً يُنبِتُ العزَّ أرضُها،
- ويَنجَحُ في أبناءِ أبياتِها العَقدُ
- مخافة َ أن أضحي من الخلّ خالياً،
- وَحيداً، وأُمسي عندَ مَن ما لَهُ عِندُ
- ولمّا عطفتُ العيسَ، آخرَ رحلة ٍ،
- إلى مَعهَدٍ لي، والحَبيبُ بهِ عَهدُ
- وشارَفتُ أعلامَ الطّويلَة ِ ذاكِراً
- عهودَ الصّبا، والشيبُ لمّا يلحْ بعدُ
- سألتُ حِمَى الفيحاءِ: ما بالُ ربعِها
- جديباً، وقد كانتْ نَضارَتُهُ تبدو
- وما بالُها لَمْ يُروَ من مائِها الصّدى
- لظامٍ، ولا يُوري لقاصدِها زَندُ
- فقالتْ: قضَى من كان بالسعد لي قضَى ،
- وصوحَ نبتُ العزّ وانهدم المجدُ
- فأصبحَ مجدُ الدينِ في التربِ ثاوياً،
- وزالَ السماحُ السبطُ والرجلُ الجعدُ
- فتًى علمتهُ غاية َ الزهدِ نفسهُ،
- فأصبَحَ حتى في الحَياة ِ لهُ زُهدُ
- ولم أرَ بدراً قَبلَهُ حازَهُ الثّرى ،
- ولم أرَ بحراً قَبلَهُ ضَمّهُ اللّحدُ
- سَليلُ صفيّ المُصطَفى ، وابنُ سبطه،
- لقد طابَ منهُ الأُمّ والأبُ والجَدّ
- فَصيحٌ، إذا الخَصمُ الألَدّ تَعالمتْ
- دلائلهُ، كانتْ لهُ الحججُ اللدُّ
- إذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القولَ فِعلُهُ،
- فلَيسَ لَهُ يوماً وَعِيدٌ، ولا وَعدُ
- لئن أخطأتْ أيدي الرّدى بمُصابِهِ،
- لعَمرُ أبي، هذا هوَ الخَطأُ العَمدُ
- مضَى طاهرَ الأثوابِ والجسمِ والحشَى ،
- له الشّكرُ دِرْعٌ، والعَفافُ لهُ بُردُ
- وأبقَى لنا من طيبَ ولدهِ،
- ينوبُ كما أبقَى لنا ماءَهُ الوردُ
- همُ القومُ فاهُوا بالفَصاحة ِ رُفّعاً،
- وشابتْ نواحي مجدهم، وهم مردُ
- إذا حَلّ منهم واحدٌ في قَبيلَة ٍ
- يُشارُ إلَيهِ إنّهُ العَلَمُ الفَرْدُ
- كفاهم فخاراً أنهُ لهمُ أبٌ،
- ويكفيهِ أن أمسَى ومنهم لهُ ولدُ
- فيا نازحاً يدنيهِ حسنُ ادكارهِ،
- ففي بُعدِهِ قُربٌ، وفي قُربه بُعدُ
- لك اللهُ كم أدركتَ في المجدِ غاية ً
- تقاعسَ عن إدراكها الأسدُ الوردُ
- إذا افتخرَ الأقوامُ بمجدهمْ،
- فإنكَ من قومٍ بهمْ يفخرُ المجدُ
- تعودَ متنَ الصافناتِ صغيرُهم،
- إلى أن تَساوَى عندَهُ السّرجُ والمَهدُ
- حَمَوا لجنودِ الجأشِ حَولَ بيوتهم،
- من المَجدِ، ما لم يَحمِه الجيشُ والجُندُ
- بيوتُ كُماة ٍ دونَها تُحطَمُ القَنا،
- وغاباتُ أسدٍ دونها تفرسُ الأسدُ
- أقاموا وبردُ العيشِ عندهمُ لظًى ،
- وصالوا وحَرُّ الكَرّ عندَهمُ بَردُ
- وعَزّوا إلى أن سالمتهم نجومُها،
- فلا نجمَ إلاّ وهوَ في رَبعِهمْ سَعدُ
- ورثتَ علاهم واقتديتَ بفضلِهم،
- فأنتَ إذاً ندّ الكرام لهم ندُّ
- فإن شاقَ صدرُ الخَودِ والنّهدُ مَعشراً
- يشوقك صدرُ الدستِ والفرسُ النهدُ
- فبالرّغمِ منّي أن يُغَيّبَكَ الثّرَى ،
- ويَرجعَ مَردوداً بخَيبَتِهِ الوَفدُ
- ويُعرِضَ عن رَدّ الجَوابِ لسائِلٍ،
- وقد كنتَ لم يعرفْ لسائلكَ الردُّ
- سأبكيكَ جهدَ المستطيعِ منظماً
- رِثاكَ، وهذا جُهدُ مَن مَاله جُهدُ
- فإنْ رمدتْ أجفانُ عينيَ بالبُكا،
- فكَم جَلَيتْ منَا بك الأعينُ الرُّمدُ
- لئن كنتَ قد أصبَحتَ عنّا مُغَيَّباً،
- فقد نابَ عنك الذّكرُ والشّكرُ والحمدُ
- وما غابَ مَن يَقصو ومَعناهُ حاضرٌ،
- ولا زالَ من يخفَى وآثارهُ تبدو
المزيد...
العصور الأدبيه