قصائدصفي الدين الحلي



أمَا تَرى الأنواءَ والسّحائِبا،
صفي الدين الحلي



  • أمَا تَرى الأنواءَ والسّحائِبا،

  • قد أصبحتْ دموعُها سواكِبا

  • فاكتستِ الأرضُ بها جلاببا،

  • فأظهرَتْ أزهارَها عَجائِبا

  • غَرائِباً أضحَتْ لنا رَغائِبَا

  • هذي الرّوابي بالكلا قد تُوّجَتْ،

  • ونَسمَة ُ الخَريفِ قد تأرّجَتْ

  • وقد صفَتْ مياهُهُ ورَجّجَتْ،

  • والأرضُ بالأزهارِ قد تدبّجَتْ

  • وأصبحَ الطلُّ عليها ساكبَا

  • فقم، فقد تمّ لنا طيبُ الهَنا،

  • والدهرُ قد منّ علينا بالمْنى

  • والعَيشُ قد رَقّتْ حَواشيهِ لَنا،

  • ومُسعدي شَرخُ الشّبابِ والغِني

  • هما اللّذانِ غَمرا لي جانِبَا

  • يا سَعدُ باكر، فاللّبيبُ مَنْ بَكَرْ،

  • وابرزْ بنا ليسَ العِيانُ كالحَبْر

  • فاغتنمِ الصفوَ بنا قبلَ الكدرْ،

  • فالدّهرُ من زَلاّتِهِ قد اعتَذَرْ

  • وجاءَنا منَ الذُّنوبِ تائباَ

  • لا تَسكُبِ الدّمعَ على عيشٍ مضَى ،

  • ولا تَقُلْ كانَ زمانٌ وانقَضَى

  • واغتَنِمِ الغَفَلَة َ من صَرفِ القَضا،

  • فالمَوتُ كالسّيفِ متى ما يُنتضَى

  • تضحي لهُ أعمارُنا ضرائبَا

  • فدَعْ حديثَ الزّمَنِ القَديمِ،

  • والذكرَ للأطلالِ والرسومِ

  • فِإنْ تكنْ عوني على الهمومِ

  • حَدّثْ عن القَديمِ والنّديمِ

  • واذكرْ لديّ رامياً أو ساريا

  • ما دامتِ الأيامُ في نصاحتي،

  • والعزُّ ملقٍ رحلهُ بساحتي

  • لأبذلنّ ما حوتهُ راحتي،

  • أُتلفَ ما في راحتي في راحتي

  • وأقصدُ اللذّاتِ والملاعِبَا

  • فقُم بنا مبتَكِراً، يا صاحبي،

  • نقضي بأيّامِ الصّبَى مآرِبي

  • ولا تكنْ تفكرُ في العواقبِ،

  • وخلِّ خلاّني، ودعْ أقاربي

  • وأقصدْ بنا الأحلافَ والقرائِبَا

  • واعتَبِرِ الجَنّة َ في الطّريقِ،

  • وانتَخِبِ الرّفيقَ للمَضيقِ

  • ولا تصاحب غيرَ ذي التحقيقِ،

  • فالتّمُّ لا يَطيرُ بَينَ الشيِّقِ

  • والكيُّ لا يرضَى الوريدَ صاحبَا

  • أما تَرَى الطّيرَ الجَليلَ قد أتَى

  • مُستَبشراً يَمرحُ في فَصلِ الشّتا

  • فقُمْ بِنا إنّ الصّبَى عَونُ الفَتى ،

  • ولا تَقُلْ كيفَ، وأنّى ، ومتى

  • إنّ الأماني لم تزَلْ كَواذِبَا

  • بمُدمَجاتٍ زانَها إدْماجُها،

  • معوجاتٍ، حسنُها اعوجاجُها

  • أهلة ٍ أكفُّها أبراجُها،

  • حواملٍ، إذا دنا نتاجُها

  • تقذفُ من أكبادها كواكبَا

  • ما خيبتْ يوماً لنا مساعيا،

  • لكادَ حسناً أن تجيبَ الداعيَا

  • تُغني بها الجَليلَ والمَراعِيَا،

  • إنْ كمدنتْ ظننتَها افاعيَا

  • أو أوترَتْ حَسبتَها عَقارِبَا

  • ومدمجِ كالنونِ في تععريقه،

  • أشهَى إلى العاشِقِ من مَعشوقِه

  • كالصّارِمِ المَصقولِ في بَريقِهِ،

  • لو أنّهُ يُسكِنُ من خُفوقِه

  • أضحَى على عَينِ الزّمانِ حاجِبَا

  • مستأنفٍ قد تَمّ في أقسامِه،

  • لكنّ نقصَ الطيرِ في تمامِه

  • قد نَبَتَ العودُ على لِحامِه،

  • مَن خَطِفَ الخَطفة َ في مَقامِه

  • أتبعهُ منهُ شهاباً ثاقبَا

  • مُرَدِّدٍ يُرضيكَ في تَرديدِهِ،

  • شهرتُهُ تغنيكَ عن تحديدهِ

  • لافرقَ بينَ شاخِه وعودِه،

  • يحققُ البندقَ في صعودِه

  • ويَضمَنُ المَصروعَ والصّوائِبَا

  • أصلحهُ صالحٌ عندَ جسهِ،

  • وزانهُ واختارهُ لنفسهِ

  • منظَرُه يُغني الفتى عن لمسِهِ،

  • فهوَ لهُ بعدَ حلولِ رمسِه

  • يُهدي الثّنا ويُظهِرُ المَناقِبَا

  • وبندقٍ معتدلِ المقدارِ،

  • كأنّما قسمَ العيارِ

  • قد حَملَ الحِقدَ على الأطيارِ،

  • فهوَ إذا انقضّ من الأتارِ

  • يرَى فناءَ الطيرِ فرضاً واجبَا

  • يريكَ في وقتِ الصّباحِ لهبَا،

  • كأنّهُ بَرقٌ أضاءَ وخَبَا

  • يَقطَعُ مَتنَ الرّيحِ من غيرِ شَبا،

  • يَقظانَ لا يَصبو إلى خَفقِ الصَّبَا

  • ولا يَلينُ للجَنوبِ جانِبَا

  • وخشية ٍ لطفتُ في مقدارِها

  • تَغنى بها الأطيارُ عن أوكارِها

  • لايبرحُ الريشُ على نوارِها،

  • والدَمُ مَسفُوكاً على أقطارِها

  • إذْ كانَ في اللّونِ لها مُناسِبَا

  • كأنذها من كثرة ِ الصروعِ،

  • قد خضبتْ بخالصِ النجيعِ

  • لم تخلُ في البروزِ والرجوعِ

  • من صارعٍ يحملُ، أو مصروع

  • تحملْ آتٍ أو تقلُّ ذاهبا

  • وحلة ٍ جفتية ٍ كالعندمِ،

  • لطيفَة ِ التّجليسِ والتّهَندُمِ

  • مُؤخَرُها في الحُسنِ مثلُ المُقدَمِ،

  • يظنُّها الطيرُ لهُ نطعَ الدّمِ

  • ولم يكنْ فيما يَظنُّ كاذِبَا

  • فَلو شهِدتَ طَيرَنا فيمَن رَمَى ،

  • وجيسهُ من جمعِنا قد هزِمَا

  • وبندقَ الصّحبِ إليهِ قد سَمَا،

  • عجبتَ من راق إلى جوَّ السّمَا

  • أرسلتِ الأرضُ عليهِ حاصِبَا

  • من كلّ شَهمٍ كالهِزَبْرِ الباسِلِ،

  • وكلِّ قيلٍ قائلٍ وفاعلَ

  • ذخر الزّميلِ عِدّة المُقاوِلِ،

  • وبينهم حملٌ بلا تحاملِ

  • من بَعدِ ما اصطَفّوا له مَراتِبَا

  • حولَ قديمٍ كالحُسامِ الماضِي

  • خالٍ من الأغراضِ والأعراضِ

  • يطبُّ داءَ الكلمِ المراضِ،

  • يرضَى بأنْ الجَمَعَ عنها راضِ

  • لا يرقبُ الأسباقَ والمواهبَا

  • في مَوقِفٍ بِهِ الصُّروعُ تُنثَلُ،

  • تُلقَى المَراعي، والجَليل تَحمِلُ

  • مَعدودَة ٌ أصنافُهُ لا تُجهَلُ،

  • إذْ هيَ في سبعٍ وسبعٍ تكملُ

  • وصاحبٍ أعُدُّهُ لي مالِكا،

  • كلفَني في النّظمِ عدَّ ذلكَا

  • وقال: لخصْ ذاكَ في نظامِكا،

  • قلتُ: علُوُّ صُنعِكَ احتِشامُكَا

  • إنْ كنتَ لي حلَّ الرّموزِ دائِبَا

  • لم أنسَ في ثوبٍ شليلٍ برزتي،

  • بينَ ثقافٍ من رُماة ِ الحلة ِ

  • وقد أتاني محرقاً عن جفتي،

  • مزجوجق من العنانينِ التي

  • بينَ الرماة ِ أصبحتْ غرائِبَا

  • ثبَّتُّ للزّوجِ، وقد أتاني

  • مُصَعصَعاً يَمرَحُ في أمانِ

  • عاجَلتُهُ من قَبلِ أن يَراني

  • صرعتُ حداهُ، وصبتُ الثّاني

  • دَلّى البَراثيمَ ووَلّى هارِبَا

  • فخَرّ كالنّجمِ، إذا النّجمُ هوى ،

  • ما ضلّ عن صاحبِه وما غوَى

  • وافاهُ، وهوَ ناطقٌ عن الهوى ،

  • قد هُدّ منهُ الخيلُ من بعدِ القوَى

  • وأصبحَ الثاني عليهِ نادبَا

  • فيا لها من فرصة ٍ لو تمتِ،

  • كنتُ وهَبتُ للقَديمِ مُهجَتي

  • ولم يكن ذو قَدمَة ٍ كقَدمَتي،

  • بل فاتني الثاني، وكانتْ همتي



أعمال أخرى صفي الدين الحلي



المزيد...

العصور الأدبيه



ماذا يجب أن تعرف عند شراء شقتك؟