الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ، >>
قصائدصفي الدين الحلي
ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ،
صفي الدين الحلي
- ألَستَ تَرَى ما في العُيونِ من السُّقْمِ،
- لقد نحلَ المعنى المدفَّقُ من جسمي
- وأضعَفُ ما بي بالخصورِ من الضّنا،
- على أنّها من ظلمِها غصبتْ قِسمي
- وما ذاكَ إلاّ أنَّ يومَ وَداعِنا
- لقَد غَفَلَتْ عينُ الرّقيبِ على رُغمِ
- ضممتُ ضنا جسمي إلى ضُعفِ خصرِها
- لجنسية ٍ كانتْ لهُ علّة َ الضّمِّ
- رَبيبَة ُ خِدْرٍ يجرَحُ اللّحظُ خدَّها،
- فوَجنَتُها تَدمَى وألحاظُها تُدمي
- يُكَلّمُ لَفظي خدّها إن ذَكَرْتُهُ،
- ويؤلمُهُ إنْ مرّ مرآهُ في وهمي
- إذا ابتسمتُ، والفاحمُ الجعْدُ مسبلٌ،
- تُضِلُّ وتَهدي من ظَلامٍ ومن ظَلمِ
- تَغَزّلتُ فيها بالغَزالِ، فأعرَضَتْ،
- وقالتْ: لعمري هذهِ غاية ُ الذّمِّ
- وصدتْ، وقد شبهتُ بالبدرِ وجهها
- نفاراً، وقالتْ صرتَ تطمعُ في شتمي
- وكم قد بذلتُ النفسَ أخطبُ وصلَها،
- وخاطَرتُ فيها بالنّفيسِ على عِلمِ
- فلمْ تلدِ الدّنيا لنَا غيرَ ليلة ٍ
- نعمتُ بها ثمّ استمرتْ على العقْمِ
- فَيَا مَن أقامَتني خَطيباً لوَصفِها،
- أُرَصّعُ فيها اللّفظَ في النّثرِ والنّظمِ
- خذي الدُّرّ من لَفظي فإن شئتِ نظمَه
- وأعوزَ سِلكٌ للنّظامِ فها جِسمي
- ففيكِ هدرتُ الأهلَ والمالَ والغِنى
- ورتبَة َ دَسْتِ المُلكِ والجاهِ والحُكمِ
- وقلتِ لقد أصبحتَ في الحيّ مفرداً،
- صَدقتِ، فهلاً جازَ عَفُوك في ظُلمي
- ألمْ تشهدي أنّي أمثلُ للعِدَى
- فتسهرَ خوفاً أن ترانيَ في الحُلْمِ
- فكمْ طمِعوا في وحدتي فرميتهُمْ
- بأضيَقَ من سُمٍّ وأقتَلَ من سُمّ
- وكم أججوا نارَ الحروبِ وأقبلوا
- بجيشٍ يصدُّ السيلَ عن مربضِ العصمِ
- فلم يسمعوا إلاّ صليلَ مهنّدي،
- وصوتَ زَئيري بينَ قعقَعة ِ اللُّجمِ
- جعلتهمُ نهباً لسيفي ومقولي،
- فهُمْ في وبالٍ من كلامي ومن كلمي
- تودُّ العِدى لو يحدقُ اسمُ أبي بِها،
- والاّ تفاجا في مجالِ الوغي باسمي
- تُعَدّدُ أفعالي، وتلكَ مَناقِبٌ،
- فتذكرني بالمدحِ في معرضِ الذّمِّ
- ولو جحدوا فعلي مخافة َ شامتٍ
- لنمّ عليهم في جباههمُ وسمي
- فكَيفَ ولم يُنسَبْ زَعيمٌ لسِنبِسٍ
- إلى المجدِ إلاّ كانَ خاليَ أو عمّي
- وإن أشبهتَهُمْ في الفخارِ خلائقي
- وفعلي فهذا الرّاحُ من ذلكَ الكرمِ
- فقُلْ للأعادي ما انثَنيْتُ لسبّكم،
- ولا طاشَ في ظنّي لغَدرِكمُ سَهمي
- نظرنا خطاياكُم، فأغريتُمُ بِنا،
- كذا من أعان الظّالمينَ على الظُّلْمِ
- أسأتُم، فإنْ أسخَطْ عليكُم فبالرّضَى ،
- وإن أرضَ عنكم من حيَائي فبالرّغمِ
- لجأتُ إلى رُكْنٍ شَديدٍ لحَرْبكُم،
- أشُدُّ به أزري وأعلي بهِ نَجمي
- وظَلْتُ كأنّي أملِكُ الدّهرَ عِزَّة ً،
- فلا تَنزِلُ الأيّامُ إلاّ على حُكمي
- بأروعَ مبنيٍّ على الفَتحِ كفُّهُ،
- إذا بُنِيَتْ كَفُّ اللّئيمِ على الضّمْ
- مَلاذي جلالُ الدّينِ نجلُ محاسنٍ،
- حليفُ العفافِ الطّلقِ والنّائلِ الجَمِّ
- فتًى خلِقتْ كَفّاهُ للجُودِ والسَّطا،
- كما العَينُ للإبصارِ والأنفُ للشّمِّ
- لهُ قَلَمٌ فيهِ المَنيّة ُ والمُنى ،
- فدِيمتُهُ تهمي وسطوتُهُ تصمي
- يراعٌ يروعُ الخطبَ في حالة ِ الرّضَى ،
- ويُضرِمُ نار الحربِ في حالَة ِ السّلمِ
- وعَضبٌ كأنّ الموتَ عاهدَ حَدَّهُ،
- وصالَ، فأفنى جِرْمُهُ كلَّ ذي جِرْمِ
- فَيَا مَن رَعانا طَرفُهُ، وهوَ راقِدٌ،
- وقد قَلّتِ النُّصّارُ بالعَزْمِ والحزْمِ
- يدُ الدّهرِ ألقتنا إليكَ، فإنْ نُطِقْ
- لها مَلمساً أدمَى براجمهَا لَثمي
- أطَعتُكَ جُهدي، فاحتَفِظْ بي فإنّني
- لنَصرِكَ لا يَنفَلُّ جَدّي ولا عَزمي
- فإن غبتَ، فاجعلْ لي وَلياً من الأذَى ،
- وهيهاتَ لا يُغني الوَليُّ عن الوَسْمي
المزيد...
العصور الأدبيه