الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> صفي الدين الحلي >> أخلايَ بالفيحاءِ إنْ طالَ بعدُكم، >>
قصائدصفي الدين الحلي
أخلايَ بالفيحاءِ إنْ طالَ بعدُكم،
صفي الدين الحلي
- أخلايَ بالفيحاءِ إنْ طالَ بعدُكم،
- فأنتم إلى قلبي كسحريَ من نحرِي
- وإن يخلُ من تكرارِ ذكري حديثُكم،
- فلم يخلُ يوماً من مديحكُمُ شِعرِي
- فواللهِ لا يشفي نزيفَ هواكمُ
- سوى خمرِ أنسٍ كان منكم بها سكري
- أرى كلّ ذي داءٍ يُداوَى بضدّه،
- وليسَ يداوَى ذو الخمارِ بلا خمرِ
- أطالبُ نفسي بالتصبرِ عنكمُ،
- وأوّلُ ما أُفقِدتُ، بعدكمُ، صَبرِي
- فإن كان عصرُ الأنسِ منكم قد انقضَى ،
- فوالعصرِ إنّي بعد ذلكَ في خسرِ
- بكَيتُ لفقدِ الأربعِ الخُضرِ منكمُ،
- على الرملة ِ الفيحاءِ بالأربعِ الحُمرِ
- فكيفَ بقي إنسانُ عيني، وقد مضَى
- على ذلكَ الإنسانِ حينٌ من الدّهرِ
- سقَى روضة َ السعديّ من أرض بابلٍ
- سَحابٌ ضَحوكُ البرقِ مُنتحبُ القطرِ
- وحَيّا الحَيا مَغنًى قضَيتُ برَبعِهِ
- فُروضَ الصِّبا ما بَينَ رَملة َ والجسرِ
- وربّ نسيمٍ مرّ لي من ديارِكم،
- ففاحَ لنا من طيهِ طيبُ النشرِ
- وأذكرَني عَهداً، وما كنتُ ناسِياً،
- ولكنّهُ تجديدُ ذِكْرٍ على ذِكْرِ
- فيا أيها الشيخُ الذي عقدُ حبهِ
- تنزلض مني منزلَ الروحِ من صدري
- تجاذبني الأشواقُ نحوَ دياركم،
- وأحذرُ من كيدِ العدوّ الذي يدري
- مخافةض مذاقِ اللسان يسرّ لي
- ضُروبَ الرّدي بينَ البَشاشة ِ والبِشرِ
- ويَنثُرُ لي حَبّ الوَفاءِ تَمَلّقاً
- وينصبُ لي من تحتِه شركَ الغدرش
- وما أنا مَن يُلقي إلى الحَتفِ نَفسَهُ،
- ويجهدُ في استخلاصِها منه بالقسرِ
- إذا كان ذكرُ المرءِ شَيخَ حَياتِهِ،
- فإنّ طريفَ المالِ كالواوِ في عمرِو
- ولكنّ لي في ماردينَ معاشراً،
- شددتُ بهم، لمّا حللتُ بها، أزري
- ملوكٌ، إذا ألقَى الزّمانُ حِبالَهُ،
- جعلتهُمُ في كلّ نائبة ٍ ذخري
- وما أحدثَتْ أيدي الزّمانِ إساءَة ً،
- ووافيتهم إلاّ انتقمتُ من الدّهرِ
- إذا جئتُهم مستَصرِخاً حَقَنُوا دَمي،
- وإن جئتُهم مستجدياً وفروا وفرِي
- عزائمُ من لم يخشَ بالبَطشِ من ردًى ،
- وإنعامُ من لم يخشَ بالجودِ من فقرِ
- ورَوّوا بماءِ الجُودِ غَرسَ أبيهِمُ،
- فأينَعَ في أغصانِهِ ثمرُ الشّكرِ
- وقلدني السلطانُ منهُ بأنعمٍ،
- أخفَّ بها نَهضي وإن أثقلتْ ظَهرِي
- هوَ الصّالحُ المَلكُ الذي صَلُحتْ به
- أمورُ الورى واستبدلَ العسرُ باليسرِ
- يبيتُ بها كفّي على الفتحِ بعدما
- بنَتْ نُوَبُ الأيّامِ قلبي على الكَسرِ
- وبدلتُ من دهمٍ الليالي وغيرها،
- لديهِ، بأيامٍ محجلة ٍ غرّ
- حَطَطتُ رِحالي في ربيعِ رُبوعِهِ،
- ولولاهُ لم أثنِ الأعنة َ عن مصري
- مَنازِلُ ما لاقَيتُ فيها نَدامَة ً،
- سوى أنّني قضّيتُ في غيرِها عُمرِي
- فلم يَكُ كالفِردوسِ غيرُ سميّهِ،
- من الخُلدِ لا خُلدُ الخَليفَة ِ والقَصرِ
- ووادٍ حكَى الخَنساءَ لا في شجونِها،
- ولكن له عَينانِ تَجري على صَخرِ
- كأنّ به الجودانَ بالسُّحبِ شامتٌ،
- فما انتحبتْ إلاّ انثنى باسمَ الثّغرِ
- تَعانَقَتِ الأغصانُ فيه فأسبَلَتْ
- على الروضِ أستاراً من الورق الخضرِ
- إذا ما حِبالُ الشّمسِ منها تَخَلّصَتْ
- إلى روضهِ ألقتْ شراكاً من التبرِ
- تُدارُ به، من ديرِ شَهلانَ، قَهوَة ٌ
- جلتها لنا أيدي القسوسِ من الخدرِ
- إذا ما حَسَوناها، وسارَ سرورُها
- إلى منتهَى الإفكارِ من موضعِ السرّ
- نُعِدّ لها نَقلَ الفكاهة ِ والحِجَى ،
- ونجلو عليها بهجة َ النّظمِ والنثرِ
- ونحنُ نوفّي العيشَ باللّهوِ حقّهُ،
- ونسرِقُ ساعاتِ السّرورِ من العمرِ
- وقد عمّنا فصلُ الربيعِ بفضلهِ،
- فبادرَنا بالوردِ في أولِ القطرِ
- فيا أيها المولى الذي وصفُ فضلِهِ
- يجلُّ عن التعدادِ والحدذ والحصرِ
- أبُثّكَ بالأشعارِ فرطَ تَشَوّقي،
- ولا أتعاطَى حَصرَ وصفِكَ بالشّعرِ
- وأعجبُ شيءٍ أنني مع تيقظي،
- إلى مخلصِ الألفاظِ من شرَك الهجرِ
- أسوقُ إلى البحر الخضمّ جواهرِي،
- وأُهدي إلى أبناءِ بابلَ من سِحرِي
- فمُنّ، فدتك النّفسُ، بالعُذرِ مُنعِماً
- عليذ، وشاور حسنَ رأيك في الأمرِ
المزيد...
العصور الأدبيه