الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> هذي المعاهد من سعاد فسلم >>
قصائدالبحتري
هذي المعاهد من سعاد فسلم
البحتري
- هذي المَعاهِدُ مِنْ سُعَادَ، فَسَلِّمِ،
- واسألْ، وإنْ وَجَمتْ، وَلم تَتَكَلّمِ
- آيَاتُ رَبْعٍ قَد تَأبّدَ، مُنْجِدٍ،
- وَحُدُوجُ حيٍّ، قَد تَحَمّلَ، مُتْهِمِ
- لَؤمٌ بِنَارِ الشّوْقِ، إنْ لم تَحْتَدِمْ،
- وَخَسَاسَةٌ بالدّمعِ إنْ لمْ يَسْجُمِ
- وَبِمَسْقَطِ العَلَمينِ ناعِمَةُ الصّبَا،
- حَيرَى الشّبابِ تَبينُ إنْ لمْ تَصرِمِ
- بَيضَاءُ، تَكتُمُها الفِجَاجُ، وَخَلْفَها
- نَفَسٌ يُصَعّدُهُ هوًى لمْ يُكْتَمِ
- هَلْ رَكْبُ مَكّةَ حَامِلُونَ تحيّةً،
- تُهْدَى إلَيْهَا مِنْ مُعَنًّى مُغْرَمِ
- رَدَّ الجُفُونَ عَلى كَرًى مُتَبَدِّدٍ،
- وَحَنَى الضّلُوعَ عَلَى جَوًى مُتَضَرّمِ
- إنْ لمْ يُبَلّغْكَ الحَجيجُ، فلا رُمُوا
- بالجَمْرَتَيْنِ، ولا سُقُوا من زَمزَمِ
- وَمُنُوا بِرَائِعَةِ الفِرَاقِ، فإنّهُ
- سِلْمُ السُّهَادِ وَحَرْبُ نَوْمِ النُّوّمِ
- ألْوَى بأرْبَدَ عَنْ لَبيدٍ، واهتَدَى
- لابْنَيْ نُوَيْرَةَ مالِكٍ وَمُتَمِّمِ
- واغْتَرّ أهْلُ البَذّ في شُرُفَاتِهِمْ،
- حتّى أصَابَهُمُ بسَيْفِ الهَيْثَمِ
- في وَقْعَةٍ، وَلّيْتَ عَنّي حَدّها
- بأجَشّ مِنْ زَجَلِ الحَديدِ مُلَملَمِ
- نَزَلُوا، وَقَد كُرِهَ النّزَالُ، وَضَارَبُوا
- جَنَبَاتِ أرْوَعَ، باللّوَاءِ مُعَمَّمِ
- نَقَلَ الرِّجَالَ إلى الجِبَالِ فلَمْ يدَعْ
- في هَضْبِ أرْشَقَ عُصْمَةً للأعصَمِ
- وأزَارَ أرْضَ الرّومِ أطْرَافَ الظُّبا،
- حَتّى أقَامَ مُلُوكَها في المَقْسِمِ
- وَثَنَى إلى عَلْوِ الجَزِيرَةِ خَيْلَهُ،
- مُتَمَطِّرَاتٍ في العَجَاجِ الأقْتَمِ
- غُلْقاً عَلَى الشّرّ الذي لَمْ يَندَفِعْ،
- عُجْلاً إلى الدّاءِ الذي لَمْ يُحْسَمِ
- غَشِيَتْ قَنَاهُ النِّمْرَ، حتّى أوْجَفُوا
- عَنَقاً على عَنَقِ الطّرِيقِ الأقْوَمِ
- وَنَفَى الأرَاقِمَ أُفْعُوَانُ مَضِلَّةٍ،
- يَفْرِي بِنَابَيْهِ قَمِيصَ الأرْقَمِ
- قَارِي سِبَاعٍ، قَدْ لَغِبْنَ، حَوَائِمٍ
- في نَقْعِهِ، وَمُضِيفُ طَيرٍ حُوَّمِ
- يُدْني يَداً بَيْضاءَ يَختَلِطُ النّدَى
- فيها إذا لَقِيَ الفَوَارِسَ بالدّمِ
- وَيُعِزُّ جَانِبَهُ، فَيُظْلِمُ نَفْسَهُ
- لِعُفاتِهِ بالجُودِ، إنْ لَمْ يُظْلَمِ
- تَنْمِيهِ، مِنْ سَلَفَيْ غُنَيٍّ، أُسْرَةٌ
- بِيضُ الوُجُوهِ إلى المَكَارِمِ تَنْتَمي
- أهْلُ الحُبَى اللاّتي كأنّ بُرُودَها،
- من حِلمِهِمْ، ضَمّتْ هِضَابَ يَلَملَمِ
- وَمُؤرِّثُو النّارِ العَتيقَةِ لِلْقِرَى،
- وَمُشَيِّدُو البَيْتِ الرّفيعِ الأقْدَمِ
- جُدُدٌ مَكَارِمُهُمْ، كما بُدئتْ، وَهمْ
- أعْلَى وأكْبَرُ مِنْ ضُبَيْعَةِ أضْجَمِ
- صَحِبُوا الزّمَانَ الفَرْطَ، إلاّ أنّهُ
- هَرِمَ الزّمَانُ وَعِزُّهُمْ لمْ يَهْرَمِ
- شَغَلُوا عَلَى غَطَفَانَ شَأْساً فِي الْوَغى
- وبَنُو جَذِيمَةَ شَاهِدُوهُ وحِذْيَمِ
- لَوْ كُنتَ جَارَ بُيُوتِهِمْ لمْ تُهْتَضَمْ،
- أوْ كُنْتَ طالبَ رِفدِهمْ لمْ تُعْدِمِ
- مِنْ كُلّ أغْلَبَ، وِدُّهُ أنّ ابْنَهُ،
- يَوْمَ الحِفاظِ، يَمُوتُ إنْ لمْ يُكْرِمِ
- لا يَقْتُلِ الحُسّادُ أنْفُسَهُمْ، فَقَدْ
- هَتَكَ الصّبَاحُ دُجَى الهَزِيعِ المُظلِمِ
- غَنِيَتْ غَنِيّ بالذُّرَى مِنْ مَجْدِهَا،
- وَقَبَائِلٌ بَينَ الحَصَى والمَنْسِمِ
- فَقَعُوا عَلى أحْسَابِكُمْ وَهُبُوطِها،
- وَدَعُوا العُلُوّ، فإنّهُ لِلأنْجُمِ
- كَرُمَ ابنُ عُثْمَانٍ، فَما يَنفَكُّ من
- مَالٍ مُهَانٍ عِنْدَ زَوْرٍ مُكْرَمِ
- إنّا بَعَثْنا اليْعْمَلاَتِ، قَوَاصِداً
- لِفنَائِكَ المَأنُوسِ قَصْدَ الأسهُمِ
- مِيلَ الحَوَاجِبِ، والنّجُومُ كأنّها،
- خَلَلَ الحَنَادِسِ، شُعْلَةٌ في أدْهَمِ
- لَتَجُودَ عَنْ فَهْمٍ يَدَاكَ وَلَمْ يَجُدْ،
- وإنِ استَهَلّ نَداهُ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ
- فاسْلَمْ عَلى عَوْدِ الخُطُوبِ وَبَدْئِها،
- وإنِ اغْتَدَيتَ بِتَالِدٍ لمْ يَسْلَمِ
- وَلَقَدْ جَرَيْتَ إلى المَعَالي سابِقاً،
- فأخَذْتَ حَظّ الأوّلِ المُتَقَدِّمِ
- وَكَبَا عَدُوُّكَ، حينَ رَامَ بكَ التي
- تُخشَى، فقُلنا: لليَدينِ وللفَمِ
المزيد...
العصور الأدبيه