الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> نحن الفداء فمأخوذ ومرتقب >>
قصائدالبحتري
نحن الفداء فمأخوذ ومرتقب
البحتري
- نحنُ الفِداءُ، فمَأخُوذٌ وَمُرْتَقَبُ،
- يَنُوبُ عَنكَ إذا هَمّتْ بك النُّوَبُ
- قد قابَلَتْكَ سُعودُ العَيشِ ضَاحِكَةً،
- وَأوْصَلَتكَ، وَكانَتْ أمسِ تجتِنبُ
- وَنِعْمَةٌ مِنْ أمِينِ الله ضَافيَةٌ
- عَلَيْكَ، في رُتْبَةٍ مِنْ دونِهَا الرُّتَبُ
- تَمَلَّهَا، يا أبَا أيّوبَ، إنّ لَهَا
- عِزّ الحَياةِ، وفيها الرَّعْبُ والرَّهَبُ
- كَمْ من رَجاءٍ غَداةَ اقتَدتَ جِرْيتَها
- قد شُدّ فيها إلَيكَ الدّلُو والكَرَبُ
- مَا للّيَالي أرَاهَا لَيْسَ يَجْمَعُهَا
- حَالٌ، وَيَجمَعُها من جِذمِها نسَبُ
- ها إنّهَا عُصْبَةٌ جَاءَتْ مُخالِفَةً
- بَعضٌ لبَعضٍ، فخِلنا أنّها عُصَبُ
- وَنَعذُلُ الدّهرَ، إنْ وَافَى بنائِبَةٍ،
- وَلَيسَ للدّهرِ فيمَا نَابَنَا أرَبُ
- الحَمدُ لله حَمداً تَمّ وَاجِبُهُ،
- وَنشّكْرُ الله شُكْراً مثلَ ما يجِبُ
- أرْضَى الزّمانُ نُفوساً طال ما سخِطتْ،
- وَأعتَبَ الدّهرُ قَوْماً طالَ ما عَتِبُوا
- وَأكْسَفَ الله بالَ الكاشحينَ على
- وَعْدٍ، وأبطَلَ ما قالوا، وَما كذَبُوا
- لتَهْنِكَ النّعْمَةُ المُخْضَرُّ جانِبُهَا
- مِنْ بَعدما اصفر في أرْجائِها العُشُبُ
- و كانَ أُعطيَ منها حاسِدٌ حَنِقٌ
- سُؤلاً، وَنُيّبَ فيها كاشحٌ كَلِبُ
- فمِنْ دُموعِ عُيونٍ قلما ما دَمَعتْ،
- وَمن وَجيبِ قُلُوبٍ قلما ما تَجِبُ
- عافُوكَ، خَصّكَ مكْرُوهٌ فعَمَّهُمُ،
- ثمّ انْجَلَى فتَجَلّتْ أوّجُهٌ شُحُبُ
- بحُسْنِ رَأيِ أميرِ المُؤمِنِينَ، وَما
- لصَاعِدٍ، وَهْوَ مَوْصُولٌ بهِ، نسَبُ
- ما كانَ، إلاّ مُكافاةً وَتَكْرِمَةً،
- هذا الرّضَا، وَامتحاناً ذلكَ الغَضَبُ
- وَرُبّمَا كان مَكْرُوهُ الأمُورِ إلى
- مَحْبُوبِهَا سَبَبَاً، ما مِثَلهُ سَبَبُ
- هَذي مَخايِلُ بَرْقٍ خَلْفَهُ مَطَرٌ
- جَوْدٌ، وَوَرْيُ زِنَادٍ خَلفَهُ لَهَبُ
- وأزْرَقُ الفَجْرِ يَأتي قَبلَ أبيَضِهِ،
- وَأوّلُ الغَيثِ مطرٌّ، ثمّ يَنسَكِبُ
- إنّ الخَليفَةَ قَدْ جَدّتْ عَزِيمَتُهُ،
- فيما يُرِيدُ، وَما في جِدّهِ لَعِبُ
- رآك، إنْ وَقَفوا في الأمرِ، تَسبُقُهمْ
- هَدْياً، وَإنْ خَمَدوا في الرّأي تَلتَهبُ
- كأنّني بكَ قَدْ قُلّدْتَ أعْظَمَها
- أمْراً، فَلا مُنكَرٌ بِدْعٌ، وَلا عَجبُ
- فَلا تَهُمَّ بتَقْصِيرٍ، وَلا طبَعٍ،
- وَلوْ همَمتَ نَهاكَ الدّينُ وَالحَسَبُ
- قَلْبٌ، يُطِلُّ على أفكارِهِ، وَيَدٌ
- تُمضِي الأمورَ، وَنَفسٌ لهوُها التّعبُ
- وَقاطعٌ للخُصُومِ اللُّدِّ، إنْ نَخِبَتْ
- قُلُوبُهُمْ، فَسَرَايا عَزْمِهِ نُخَبُ
- لا يتحظى كما احتج البخيل، ولا
- يحب من ماله إلا الذي يهب
- حُلْوُ الحديثِ إذا أعطَى مُسايِرَهُ
- تلك الأعاجيب أصْغى المَوْكبُ اللَّجبُ
- لَوْلا مَوَاهبُ يُخْفيهَا وَيُعْلِنُهَا،
- لَقُلْتُ ما حدثوا عن حاتِمٍ كَذِبُ
- يا طالبَ المَجدِ، لا يَلْوِي على أحَدٍ،
- بالجِدّ مِنْ طَلَبٍ، كأنّهُ هَرَبُ
- إسْلَمْ سَلِمْتَ على الأيّامِ ما بَقيَتْ
- قَرَائنُ الدّهرِ، وَالأيّامُ، وَالحِقَبُ
- وَلا أمُنُّ عَلَيْكَ الشّكْرَ مُتّصِلاً،
- إذا بَعُدْتُ، وُمني حينَ أقترِبُ
- وَ ما صَحِبتُكَ من خوْفٍ ولا طَمَعٍ،
- بلِ الشّمائلُ، والأخلاقُ تُصْطَحَبُ
المزيد...
العصور الأدبيه