الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> ملامك إنه عهد قريب >>
قصائدالبحتري
ملامك إنه عهد قريب
البحتري
- مَلامُكَ، إنّهُ عَهْدٌ قَرِيبُ،
- وَرُزْءٌ مَا عَفَتْ مِنْهُ النُّدوبُ
- تُعَلّلُني أضَاليلُ الأمَاني
- بعَيشٍ، بَعدَ قَيصرَ، لا يَطيبُ
- تَوَلّى العَيشُ، إذْ وَلّى التّصَابي،
- وَماتَ الحبُّ، إذْ ماتَ الحَبيبُ
- نَصِيبي كانَ مِنْ دُنيَايَ وَلّى،
- فَلا الدّنْيَا تُحَسُّ، وَلا النّصِيبُ
- ضَجيعُ مُسَنَّدينَ بكَفْرِ تُوثَى،
- خَفُوتٌا مِثلَ ما خَفَتَ الشَّرُوبُ
- هُجُودٌ لَمْ يَسَلْ بهِمِ حَفيٌّ،
- وَلمْ تُقْلَبْ لضَجْعَتِهِمْ جُنُوبُ
- تُغَلَّقُ دُورُهُمْ عَنْهُمْ عِشَاءً،
- وَقَدْ عَزُّوا بهِا زَمَناً، وَهيبُوا
- تقض أضلاعي أنفاس وجد
- لمختضر كما اختضر القضيب
- أرثيه ولو صدق اختياري
- لكان مكان مرثيتي نسيب
- وَكُنتُ، وَتُرْبُهُ يُحثَى علَيهِ،
- كَنِضْوِ الدّاءِ آيَسَهُ الطّبيبُ
- كفى حزناً بأن الحزن يخبو
- ذكي الجمر عنه واللهيب
- أأنْسَى مَنْ يُذَكّرُنيهِ ألاّ
- نَديدَ يَنوبُ عَنهُ، وَلا ضَرِيبُ
- وَأترُكُ للسُّرَى مَن كنتُ أخشَى
- عَلَيْهِ العَينَ تُؤمَنُ، أوْ تُرِيبُ
- وَأصْفَحُ للبِلَى عَنْ ضَوْءِ وَجْهٍ
- غَنيتُ يَرُوعُني منْهُ الشُّحُوبُ
- ومن حق الأحبة لو أجنت
- رمائمها الجوانح والقلوب
- سَقَى الله الجَزِيرَةَ، لا لشَيْءٍ،
- سوَى أنْ يَرْتوِي ذاكَ القَليبُ
- مُلَطُّ بالطّرِيقِ، وَلَيسَ يُصْغي
- لأنْجِيَةِ الطّرِيقِ، وَلا يُجيبُ
- تَعُودُ الباكِيَاتُ مُجَاوِرِيهِ،
- وَيُزْوَى النّوْحُ عَنْهُ وَالنّحيبُ
- وَأيُّهُمُ يُعِيرُ عَلَيْكَ دَمْعاً،
- وَألسُنُ دونَ أهلكَ وَالدُّرُوبُ
- وَمَا كانَتْ لتَبعُدَ عَنكَ عَينٌ
- سَفُوحُ الدمع، لَوْ أنّي قَرِيبُ
- يرينيك المنى خلساً وأنى
- برؤيت من تغيبه الغيوب
- وكيف يؤوب من تمضي المنايا
- وقد يمضي الشباب فما يؤوب
- أُلامُ، إذا ذَكَرْتُكَ، فاستَهَلّتْ
- غُرُوبُ العَينِ تَتْبَعُهَا الغُرُوبُ
- وَلَوْ أنّ الجِبَالَ فَقَدْنَ إلْفاً،
- لأوْشَكَ جَامِدٌ مِنْهَا يَذُوبُ
- لَعَمْرُي! إنّ دهراً غَالَ إلْفي،
- وَمَالي، لَلْخَؤونُ لنا الشعوب
- فإنْ سِتٌّ وَسِتّونَ اسْتَقَلّتْ،
- فَلا كَرّتْ برجعَتِها الخُطوبُ
- لَقَدْ سَرّ الأعادي فيّ أنّي
- بِرَأسِ العَينِ مَحزُونٌ، كَئيبُ
- تَعاظَمَتِ الحَوَادثُ حَوْلَ حَظّي،
- وَشَبّتْ دونَ بُغيَتيَ الحُرُوبُ
- على حينَ استَتَمّ الوَهْنُ عَظمي،
- وَأعطَى فيّ ما احتَكَمَ المَشيبُ
- وَقَدْ يَرِدُ المَنَاهِلَ مَنْ يُحَلّ
- عَلى ظَمَإٍ، وَيَغنَمُ مَن يَخيبُ
- وَأيسَرُ فائِتٍ خَلَفاً سَرِيعاً
- رِقابُ المَالِ، يَرْزَؤها الكَسوبُ
- فَمَنْ ذا يَسألُ النّجليّ عَمّا
- يَذُمُّ مِنِ اخْتِيارِي، أوْ يَعيبُ
- يُعَنّفُني عَلى بَغَتاتِ عَزْمي،
- وَكنتُ، وَلا يُعَنّفُني الأرِيبُ
- وَقَدْ أكدَى الصّوَابُ عَليّ حتّى
- وَدِدْتُ بِأنّ شانيّ المُصِيبُ
- لَعَلّ أخَاكَ يَرْقُبُ هل تُطاطي
- لَهُ منّي النّوَائبُ، إذْ تَنُوبُ
- فأينَ النّفسُ ذاتُ الفَضْلِ عَمّا
- تَسَكّعَ فيهِ، وَالصّدْرُ الرّحيبُ
- أيَغضَبُ إنْ يُعَاتَبْ بالقَوَافي،
- وَفيها المَجدُ، وَالحسب الحَسيبُ
- وَكمْ مِنْ آمِلٍ هَجْوِي ليَحظى
- بذِكْرٍ منهُ يَصْعَدُ، أوْ يَصُوبُ
- فكَيفَ بِسُيَّرٍ مُتَنَخَّلاتٍ،
- تَجُوبُ، من التنائف، ما تجوبُ
- يُنَافِسُ سامِعٌ فيهَا أبَاهُ،
- إذا جَعَلَتْ بسُؤدَدِهِ تُهيبُ
- بَلَغْنَ الأرْضَ لمْ يَلغَبْنَ فيها،
- وَبَعضُ الشّعرِ يُدرِكُهُ اللُّغوبُ
- فإلاّ تُحْسَبِ الحَسَنات مِنَا
- لصَاحِبِها، فَلا تُحصَ الذّنُوبُ
- أتُوبُ منَ الإسَاءةِ، إنْ ألَمّتْ،
- وَأعرِفُ مَنْ يُسِيءُ وَلا يَتُوبُ
المزيد...
العصور الأدبيه