الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> في الشيب زجر له لو كان ينزجر >>
قصائدالبحتري
في الشيب زجر له لو كان ينزجر
البحتري
- في الشَّيبِ زَجْرٌ لهُ، لوْ كانَ يَنزَجِرُ،
- وَواعظ منهُ، لَوْلا أنّهُ حَجَرُ
- إبيَضّ ما اسوَدّ من فَوْديهِ، وَارْتجَعتْ
- جَلِيّةُ الصّبحِ ما قد أغفَلَ السّحَرُ
- وَللفَتى مُهْلَةٌ، في الحبّ، وَاسعَةٌ،
- ما لمْ يَمُتْ في نَوَاحي رأسهِ الشّعَرُ
- قالَتْ مَشيبٌ وَعِشْقٌ أنتَ بَيْنَهُما،
- وَذاكَ في ذاكَ ذَنْبٌ ليسَ يُغتَفَرُ
- وَعَيّرَتْني سِجَالَ العُدْمِ جَاهِلَةً،
- وَالنّبعُ عُرْيانُ ما في فَرْعِهِ ثَمَرُ
- وَما الفَقيرُ الذي عَيّرْتِ، آوِنَةً،
- بَلِ الزّمانُ إلى الأحْرارِ مُفتَقِرُ
- عَزّى عَنِ الحَظّ أنّ العَجزَ يُدرِكُهُ،
- وَهَوّنَ العُسرَ عِلمي في مَنِ اليُسُرُ
- لمْ يَبقَ، مِنْ جُلّ هذا النّاسِ، باقيةٌ
- يَنَالُها الوَهْمْ، إلاّ هَذهِ الصّوَرُ
- َبخل وجَهلٌ، وَحَسبُ المَرْءِ وَاحدةٌ
- مِنْ تَينِ، حتى يُعَفّى خَلفَهُ الأثَرُ
- إذا مَحَاسِنيَ اللاّتي أُدِلُّ بِهَا
- كانَتْ ذُنُوبي فقُلْ لي كَيفَ أعتَذرُ
- أهُزُّ بالشَعرِ أقْوَاماً ذَوي وَسَنٍ
- في الجَهلِ لوْ ضُرِبوا بالسّيفِ ما شعرُوا
- عَليّ نَحْتُ القَوَافي مِنْ مَقَاطِعِها،
- وَمَا عَليّ لَهُم أنْ تَفهَمَ البَقَرُ
- لأرْحَلَنّ، وَآمِالي مُطَرَّحَةٌ،
- بِسُرّ مَنْ رَاءُ مُستَبطاً لها القَدَرُ
- أبَعْدَ عشرِينَ شَهراً لا جَداً فيُرَى
- بهِ انصِرَافٌ، وَلا وَعدٌ، فيُنتَظَرُ
- لَوْلا عَليّ بنُ مُرٍّ لاسْتَمَرّ بِنَا
- خَلفٌ من العيشِ فيهِ الصّابُ وَالصَّبِرُ
- عُذْنا بأرْوَعَ، أقصَى نَيلِهِ كَثَبٌ،
- على العُفَاةِ، وَأدْنَى سَعيِهِ سَفَرُ
- ألَحّ جُوداً، وَلم تَضرُرْ سَحائبُهُ،
- وَرُبّما ضَرّ في إلحَاحِهِ المَطَرُ
- لا يُتْعِبُ النّائِلُ المَبذولُ هِمّتَهُ،
- وَكَيفَ يُتْعِبُ عَينَ النّاظرِ النّظرُ
- بَدَتْ عَلى البَدْوِ نُعْمَى منهُ سابِغَةٌ
- وَفْرَاءُ، يُحضِرُ أُخرى مثلَها الحَضَرُ
- مَوَاهبٌ، ما تجَشّمْنا السّؤالَ لهَا،
- إنّ الغَمامَ قَليبٌ لَيسَ يُحتَفَرُ
- يُهابُ فينا، وَما في لحظِهِ شَرَرٌ،
- وَسْطَ النّديّ، وَلا في خدّهِ صعَرُ
- بَرْدُ الحَشَا، وَهَجيرُ الرّوْعِ محْتفِلٌ،
- وَمِسعَرٌ، وَشِهابُ الحرْبِ مُستَعِرُ
- إذا ارْتَقَى في أعالي الرّأيِ لاحَ لَهُ
- ما في الغيوبِ التي تخفى، فَتَستَتِرُ
- تَوَسَّطَ الدّهْرَ أحْوالاً، فَلا صِغَرٌ
- عنِ الخُطوبِ التي تَعرُو، وَلا كِبَرُ
- كالرّمْحِ أذْرُعُهُ عَشْرٌ وَوَاحِدَةٌ،
- فلَيسَ يُزْرِي به طولٌ ولا قِصَرُ
- مُجَرَّبٌ طالماَ ما أشجَتْ عَزَائِمُهُ
- ذَوي الحِجى وَهوَ غِرٌّ بَيْنَهُمْ غَمَرُ
- آراؤهُ اليَوْمَ أسْيافٌ مُهَنَّدَةٌ،
- وكانَ كالسّيفِ إذْ آراؤه زبُرُ
- ومصعد في هضاب المجد يطلعها
- كأنه لسكون الجأش منحدر
- ما زَالَ يَسبُقُ، حتّى قال حاسدة
- له مختصر الى العلياء طريق
- حلو صميت متى تجن الرضا خلقاً
- مِنْهُ، وَمُرٌّ إذا أحْفَظْتَهُ مَقِرُ
- نَهَيْتُ حُسّادَهُ عَنهُ، وَقلتُ لهمْ:
- ألسّيلُ باللّيلِ لا يُبقي، وَلا يَذَرُ
- كُفّوا وَإلاّ كُفِفتمْ مُضْمرِي أسَفٍ،
- إذا تَنَمّرَ، في إقْدامِهِ، النّمِرُ
- ألْوَى، إذا شابَكَ الأعداءَ كَدَّهُمُ
- حتى يَرُوحَ وَفي أظْفَارِهِ الظَّفَرُ
- واللوم أن تدخلوا في حد سخطته
- علماً بأن سوف يعفو حين يقتدر
- جافَى المَضَاجعَ ما يَنفَكُّ مِن لَجبٍ،
- يَكَادُ يُقْمِرُ مِنْ لألائهِ القَمَرُ
- إذا خُطامَةُ سَارَتْ فيهِ آخِذَةً
- خُطامَ نبهانَ، وَهيَ الشّوْكُ والشّجَرُ
- رَأيْتَ مَجْداً عِيَاناً في بَني أُدَدٍ،
- إذْ مَجْدُ كلّ قَبيلٍ دونَهمْ خَبَرُ
- أحسِنْ أبا حَسَنٍ بالشّعرِ، إذْ جُعلتْ
- عَلَيكَ أنْجُمُهُ، بالمَدْحِ، تَنتثرُ
- فيها العَقائِقُ والعِقيانُ، إنْ لُبسَتْ
- يوْمَ التّباهي، وفيها الوَشيُ وَالحِبَرُ
- وَمَنْ يكُنْ فاخراً بالشّعرِ يُمدَحُ في
- أضْعافِهِ، فَبِكَ الأشعارُ تُفْتَخَرُ
المزيد...
العصور الأدبيه