الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> حذرت الحب لو أغنى حذاري >>
قصائدالبحتري
حذرت الحب لو أغنى حذاري
البحتري
- حَذَرْتُ الحُبّ، لَوْ أغْنى حِذاري،
- وَرُمْتُ الفَرّ، لَوْ نَجّى فِرَاري
- وَما زَالَتْ صُرُوفُ الدّهْرِ، حَتّى
- غَدَتْ أسْمَاءُ شاسِعَةَ المَزَارِ
- وَما أُعْطى القَرَارَ، وَقَدْ تَناءَتْ،
- وَهَذا الحُبُّ يَمْنَعُني قَرَاري
- يَغارُ الوَرْدُ، إنْ سَفَرَتْ، وَيَبْدُو
- تَغَيّرُ كَأبَةٍ في الجُلّنَارِ
- هَوَاك ألَجّ في عَيْني قَذَاها،
- وَخَلّى الشّيّبَ يلعَبُ في عِذَاري
- بمَا في وَجْنَتَيْكِ مِنِ احْمِرَارٍ،
- وَما في مُقْلَتَيْكِ مِنِ احْوِرَارِ
- لئِنْ فارَقْتُكُمْ عبثاً، فَإنّي
- عَلى يَوْمِ الفِرَاقِ الجِدّ زَارِ
- وكَمْ خَليْتُ عِنْدَكِ منْ ليالٍ
- مُعشَّقَةٍ، وَأيّامٍ قِصَارِ
- فهَلْ أنا بائِعٌ عَيْشاً بِعَيْشٍ
- مَضى، أوْ مُبْدِلٌ داراً بِدَارِ
- أعاذِلَتي عَلى أسْمَاءَ، ظُلْماً،
- وإجْرَاءِ الدّموعِ لهَا الغِزَارِ
- مَتَى عَاوَدْتِني فِهيا بِلَوْمٍ،
- فَبِتِّ ضَجِيعَةً للْمُسْتَعَارِ
- لأسْلَحُ، حِينَ يُمْسي، من حُبارى،
- وَأضراطُ، حِينَ يُصْبِحُ، مِنْ حِمارِ
- إذَا أحْبَابُهُ أمْسَوْا عِشيا،
- أعَدّوا، وَاسْتَعَدّوا لِلْبَوَارِ
- إذَا أهْوى لِمَرْقَدِهِ بِلَيْلٍ،
- فَيَا خِزْيَ البرَاقَعِ وَالسّرَاري
- وَيَا بُؤس الضجيع قَدْ تَطَلّى
- بِخِلْطَي جامِدٍ مَعْهُ، وَجارِ
- وَما كانَتْ ثِيابُ المُلْكِ تحْشَى
- جَرِيرَةَ بَائِلٍ، فيهِنّ، خاد
- فلو أنا استطعنا لأفتديناه
- قطوع الرقم منه بالبواري
- يُبِيدُ الرّاحَ في يوْمِ النّدَامَى،
- وَيُفْني الزّادَ في يوْمِ الخِمارِ
- يَعُبُّ فيُنْفِدُ الصّهْبَاءَ جِلْفٌ،
- قَرِيبُ العَهْدِ بالدّبْسِ المُدارِ
- رَدَدْنَاهُ بِرْمّتِهِ ذَمِيماً،
- وَقَدْ عَم البَرِيّةَ بالدّمَارِ
- وكانَ أضَرّ فِيهِمْ مِنْ سُهَيْلٍ،
- إذا أوْبا، وَأشْأمَ مِنْ قُدَارِ
- تَفَانَى النّاسُ، حتى قُلْتُ عَادُوا
- إلى حَرْبِ البَسُوسِ، أوِ الفُجارِ
- فَلَوْلا الله وَالمُعْتَزُّ بِدْنَا،
- كَما بَادَتْ جَدِيسٌ في وَبارِ
- تَدَارَكَ عُصْبَةً منهُمْ حَيَارَى
- على جُرُفٍ، منَ الحَدَثانِ، هَارِ
- تَلافاهُمْ بِطَوْلٍ مِنْهُ جَمٍّ،
- وَعَفْوٍ شَامِلٍ، بَعْدَ اقْتِدَارِ
- إمَامُ هُدىً يُحَبَّبُ في التّأنّي،
- وَيَخشى في السّكِينةِ، وَالوَقَارِ
- إذا نَظَرَ الوُفُودُ إلَيْهِ قالوا:
- أبَدْرُ اللّيْلِ أم شمسُ النّهارِ؟
- لَهُ الفَضْلانِ، فَضْلُ أبٍ وَأُمٍّ،
- وَطِيبُ الخِيمِ في كَرَمِ النّجَارِ
- هَزَزْنَاهُ لأحْداثِ اللّيَالي،
- فَأحْمَدْنَا مضارب ذي القِفارِ
- أمِيرَ المُؤمِنِينَ! نَداكَ بَحْرٌ،
- إذا مَا فَاضَ غض منْ بِحَارِ
- لأنْتَ أمَدُّ بِالمَعْرُوفِ كَفّاً،
- وَأوْهَبُ لِلُّجَيْنِ وَلِلنُّضَارِ
- وأحْفَظُ للذّمَامِ، إذا مَتَتْنَا
- إلَيْكَ بهِ، وَأحْمَى لِلذّمَارِ
- لَئِنْ تَمّ الفِداءُ، كما رَجَوْنَا،
- بِيُمْنِكَ بَعْدَ مُكْثٍ، وَانْتِظارِ
- فمِنْ أزْكى خُلالِكَ أنْ تُفادي
- أسَارَى المُسْلِمينَ مِنَ الإسَارِ
- بَذَلْتَ المالَ فِيهمْ، أن يَعُودوا
- إلى الأهْلينَ مِنهُمْ، وَالدّيارِ
- فيا لك فعلة يُهْدَى ثَنَاهَا
- إلى أهْلِ المُحَصَّبِ وَالجِمارِ
- حَبَوْتَ بحُسْنِ سُمْعَتِها وَصِيفاً،
- فَنَالَ، بِنَيْلِها، شَرَفَ الفَخَارِ
- رَعَيْتَ أمَانَةً مِنْهُ وَنُصْحاً،
- وَأنْتَ مُوَفَّقٌ في الإخْتِبارِ
- وفَاز مِنَ الوفاءِ لكُمْ عزِيزاً،
- وَخاطَرَ عِنْدَ تَغْرِيرِ الخِطَارِ
- وَآثرَكُمْ، ولمْ يُؤثِرْ عَلَيْكُمْ،
- وَقَدْ شُرِعَتْ لَهُ دُنْيَا المُعَارِ
- إذَا مَا قَرّبُوهُ، وَآنَسُوهُ،
- غَلا في البُعْدِ عنْهُمْ، وَالنِّفَارِ
- حَيَاءً أنْ يُقالَ أتَى بغدر
- وَنَيْلاً أنْ يَحُلّ مَحَلّ عَارِ
- وَهِمّةُ مُسْتَقِلّ النّفْسِ يَسمو،
- بهِمّتِهِ، إلى الرُّتَبِ الكِبارِ
- شَكَرْتُكَ بالقَوَافي عنْ شَفِيعي
- إلَيْكَ، وَصَاحبي الأدْنَى وَجاري
- فَلا نُعْدَمْ بَقَاءَكَ في سُرُورٍ،
- وَعِزٍّ، ما سرى الظّلْماءِ سَارِ
المزيد...
العصور الأدبيه