الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> إجرني من الواشي الذي جار واعتدى >>
قصائدالبحتري
إجرني من الواشي الذي جار واعتدى
البحتري
- إجِرْني منَ الوَاشِي الذي جَارَ واعتَدى،
- وَغَابِرِ شوق غَارَ بِي ثُمّ أنْجَدَا
- وإلاّ، فأسعِدْني بدَمعِكَ، إنّهُ
- يُهَوّنُ مَا بي أنْ أرَى ليَ مُسْعِدا
- سَقَى الغَيْثُ أجرَاعاً عَهِدْتُ بجَوّها
- غَزَالاً، تُرَاعِيهِ الجَآذِرُ، أغيَدَا
- إذا ما الكَرَى أهْدَى إليّ خَيَالَهُ،
- شفَى قُرْبُهُ التّبريحَ أوْ نَقَعَ الصّدَى
- إذا انْتَزَعَتْهُ مِنْ يَدَيّ انْتِبَاهَةٌ،
- عَدَدْتُ حَبِيباً رَاحَ مِنّيَ، أوْ غَدَا
- وَلَمْ أرَ مِثْلَيْنَا، وَلاَ مِثْلَ شأنِنَا،
- نُعَذَّبُ أيْقاظاً وَنَنْعَمُ هُجَّدا
- تَصَعَّدُ أنْفَاسي جَوًى وَتَشَوّقاً،
- إذا البرْقُ مِنح غَرّبيّ دِجلَةَ أصْعَدَا
- وَمَا ذَاكَ إلاّ لَوْعَةٌ لَكَ زَادَها
- تَنائي الدّيارِ جِدّةً، وَتَوَقُّدا
- فَمَنْ غابَ يَنْوِي نِيّةً عَنْ حَبيبِهِ
- وَهَجْراً، فإنّي غِبْتُ عَنكَ لأشْهَدَا
- وَمَا القُرْبُ في بَعضِ المَوَاطِنِ للّذي
- يرَى الحَزْمَ، إلاّ أنْ يَشُطّ وَيَبعَدَا
- إلى ابنِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ تَناهَبَتْ
- بنا العِيسُ دَيجُوراً من اللّيلِ، أسوَدَا
- إلى مُنْعِمٍ، لا الجُودُ عَنْهُ بعازِبٍ
- بَطيءٍ، وَلا المَعْرُوفُ منهُ بأنْكَدا
- رأيْنَا بَني الأمْجَادِ في كلّ مَعْشَرٍ،
- فكانُوا لعَبْدِ الله في المجدِ أعْبُدا
- عَلَيْهِ مِنَ المُعتَزّ بالله بَهْجَةٌ
- أضَاءَتْ فَلَوْ يَسرِي بها الرّكبُ لاهتدى
- إذا ما انتمى ناصى المجرة واغترى
- إلى أنجم ما زلن للملك أسعدا
- إلى خلفاء سنة قد تنافسوا
- لتثقل في أعناقهم وترددا
- يروق العيون الناظرات بطلعة
- من الحسن لو وافى بها البدر باعدا
- له في قلوب الأولياء محبة
- تعد بها الأعداء جنداً مجندا
- تأمل أمين الله فرط جلالة
- وابهة تبدو عليه إذا بدا
- إذا أعجَبَتْكَ اليَوْمَ منهُ خَليقَةٌ
- مُهَذَّبَةٌ، أعْطَاكَ أمْثَالَهَا غَدَا
- طَلُوبٌ لأقْصَى غَايَةٍ، بَعدَ غَايَةٍ،
- إذا قُلْتُ يَوْماً قَدْ تَنَاهَى تَزَيّدا
- سُرِرْنا بِأنْ أمّرْتَهُ، وَنَصَبْتَهُ
- لَنَا علَماً نَأوِي إلى ظِلّهِ غدا
- وأبْهَجَنا ضَرْبُ الدّنَانِيرِ باسْمِهِ،
- وَتَقْلِيدُهُ مِن أمْرِنَا مَا تَقَلّدا
- وَلِمْ لا يُرَى ثانيكَ في السّلطَةِ التي
- خَصَصْتَ بها ثانيكَ في الجُودِ والنّدَى
- حَقيقٌ بأنْ تُرْمَى بهِ الجَانِبُ الذي
- يَهُمّ، وأنْ تقضي إلَيْهِ وتُعْهَدَا
- وَمِثْلُكَ حَاطَ المُسْلِمِينَ بِمِثْلِهِ،
- سداداً، وَلَمْ يُهْمِلْ رَعِيّتَهُ سُدَى
- فَلَوْ دامَ شيءٌ آخِرَ الدّهْرِ سَرّنا
- غِنًى عَنهُ مَوْجُودٌ، وَدُمتَ مُخَلَّدا
- أبِنْ فَضْلَهُ، واشهر نَبَاهَةَ قَدْرِهِ،
- وأبْقِ لَهُ في النّاسِ ذِكْراً مُجَدَّدَا
- فَلَلسّيْفُ مَسْلُولاً أشَدُّ مَهَابَةً،
- وأظْهَرُ إفْرِنداً منَ السّيفِ مُغْمَدا
- بَقيتَ تُرَجّيهِ، وَعَاشَ مُؤمَّلاً،
- يُرَاعي اتّصالاً مِنْ حَيَاتِكَ سَرْمَدا
- لقَدْ ساوَرَتْ خَيلَ المُساوِرِ عُصْبَةٌ
- أفَاءَتْ عَلَيْهِ الطّعنَ غَضّاً مُجدَّدا
- حَمَوْهُ سُهُولَ الأرْضِ مِنْ كلّ جَانبٍ،
- فَظَلّ شَرِيداً في الجِبالِ، مُطَرَّدا
- عُلُوجٌ، وأعرَابٌ يُرَجُّونَ حَائِناً،
- أضَاعَ الحِجَى حتّى طَغَى وَتَمَرّدا
- يُسَمُّونَهُ باسْمِ الخَليفَةِ، بعدَ ما
- رَعى الضّأنُ فيهِمْ ذا مَشِيبٍ وأمرَدَا
- فَلِمْ لَمْ تَزَعْهُ الوَازِعَاتُ، وَيَجْتَنِبْ
- عَدَاوَةَ مَنْصُورِ اليَدَينِ على العِدَى
- وَلَوْ شَاوَرَ الأيّامَ قَبْلَ خُرُوجِهِ،
- نَهَينَ ابنَ أُمّ الكَلْبِ أنْ يَتَوَرّدا
- كأنّي بهِ، إمّا قَتِيلاً مُضَرَّجاً
- بأيْدي المَوَالي، أو أسِيراً مُقَيَّدا
المزيد...
العصور الأدبيه