الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> ألم تر تغليس الربيع المبكر >>
قصائدالبحتري
ألم تر تغليس الربيع المبكر
البحتري
- ألَمْ تَرَ تَغْلِيسَ الرّبيعِ المُبَكِّرِ،
- وَمَا حَاكَ مِنْ وَشيِ الرّياضِ المُنَشَّرِ
- وَسَرْعَانَ ما وَلّى الشّتاءُ، وَلَم يَقِفْ،
- تَسَلُّلَ شَخْصِ الخائِفِ، المُتَنَكِّرِ
- مَرَرْنا عَلى بَطْيَاسَ، وَهْيَ كأنّهَا
- سَبَائِبُ عَصْبٍ، أوْ زَرَابيُّ عَبْقَرِ
- كأنّ سُقُوطَ القَطْرِ فيها، إذا انثَنى
- إلَيها، سُقُوطُ اللّؤلُؤِ المُتَحَدِّرِ
- وفي أُرْجُوَانِيٍّ مِنَ النَّوْرِ أحْمَرٍ،
- يُشابُ بإفْرِنْدٍ مِنَ الرّوْضِ أخضَرِ
- إذا ما النّدى وافاهُ صُبحاً تَمَايَلَتْ
- أعَاليهِ مِنْ دُرٍّ نَثِيرٍ، وَجَوْهَرِ
- إذَا قَابَلَتْهُ الشّمسُ رَدّ ضِيَاءَهَا
- عَلَيْهَا صِقَالُ الأُقْحُوَانِ المُنَوِّرِ
- إذا عَطَفَتْهُ الرّيحُ قُلتُ: التِفَاتَةٌ
- لعَلْوَةَ في جَادِيّهَا المُتَعَصْفِرِ
- بنَفْسِيَ ما أبْدَتْ لَنَا، حينَ وَدّعتْ،
- وَمَا كَتَمَتْ في الأتحَميّ المُسَيَّرِ
- أتَى دونَهَا نأيُ البِلادِ، وَنَصُّنَا
- سَوَاهِمَ خَيْلٍ، كالأعِنّةِ، ضُمَّرِ
- وَلَمّا خَطَوْنا دِجلَةَ انصَرَمَ الهَوَى،
- فلَمْ يَبْقَ إلاّ لِفْتَةُ المُتَذَكِّرِ
- وَخَاطِرُ شَوْقٍ ما يَزَالُ يَهِيجُنا
- لبادينَ مِنْ أهْلِ الشّآمِ، وَحُضَّرِ
- بأحمَدَ أحمَدْنا الزّمانَ، وأسهَلَتْ
- لَنَا هَضَبَاتُ المَطْلَبِ المُتَوَعِّرِ
- فتًى إنْ يَفِضْ في ساحَةِ المَجدِ يحتَفِلْ،
- وإنْ يُعطِ في حَظّ المَكَارِمِ يُكثِرِ
- تَظُنُّ النّجُومَ الزُّهْرَ بِتْنَ خَلاَئِقاً
- لأبْلَجَ مِنْ سِرّ الأعَاجِمِ، أزْهَرِ
- هُوَ الغَيْثُ يَجْرِي من عَطاءٍ وَنَائِلٍ
- عَلَيْكَ، فَخُذْ من صَيّبِ الغَيْثِ أوْ ذَرِ
- وَلَما تَوَلّى البَحرَ، والجُودُ صِنْوُهُ،
- غَدا البَحْرُ مِنْ أخلاقِهِ بَينَ أبحُرِ
- أضَافَ إلى التّدْبِيرِ فَضْلَ شَجَاعَةٍ،
- وَلاَ عزْمَ إلاّ للشّجاعِ المُدَبّرِ
- إذا شَجَرُوهُ بالرّماحِ، تَكَسّرَتْ
- عَوَامِلُها، في صَدْرِ لَيْثٍ غَضَنْفَرِ
- غَدَوتَ على المَيْمُونِ صُبْحَاً، وإنّما
- غَدا المَرْكَبُ المَيْمُونَ تحتَ المُظَفَّرِ
- أطَلّ بِعَطْفَيْهِ، وَمَرّ كأنّما
- تَشَرّفَ مِنْ هَادي حِصَانٍ مُشَهَّرِ
- إذا زَمْجَرَ النُّوتيُّ، فَوْقَ عَلاتِهِ،
- رَأيتَ خَطيباً في ذُؤابَةِ مِنْبَرِ
- يَغُضّونَ دونَ الإشْتِيَامِ عُيُونَهُمْ،
- وُفوقَ السّماطِ للعَظِيمِ المُؤمّرِ
- إذا عَصَفَتْ فيهِ الجَنُوبُ اعتَلَى لَهاُ
- جَنَاحَا عُقَابٍ، في السّماءِ، مُهَجِّرِ
- إذا مَا انكَفَا في هَبوَةِ المَاءِ، خِلْتَهُ
- تَلَفّعَ في أثْنَاءِ بُرْدٍ مُحَبَّرِ
- وَحَوْلَكَ رَكّابُونَ للهَوْلِ، عاقَرُوا
- كُؤوسَ الرّدى من دارِعينَ وَحُسّرِ
- تَميلُ المَنَايَا حَيثُ مَالَتْ أكُفُّهُمْ،
- إذا أصْلَتُوا حَدّ الحَديدِ المُذَكَّرِ
- إذا رَشَقُوا بالنّارِ لمْ يَكُ رَشْقُهُمْ
- ليُقْلِعَ، إلاّ عَنِ شِوَاءٍ مُقَتِّرِ
- صَدَمتَ بهِهمْ صُهْبَ العثَانينَ، دونَهم
- ضِرَابٌ كإيقادِ اللّظَى المُتَسَعِّرِ
- يَسُوقُونَ أُسْطُولاً، كأنّ سَفينَهُ
- سَحَائِبُ صَيْفٍ مِنْ جَهامِ وَمُمْطِرِ
- كأنّ ضَجيجَ البَحرِ، بَينَ رِمَاحِهِمْ،
- إذا اختَلَفَتْ تَرْجيعُ عَوْدٍ مُجَرْجِرِ
- تُقَارِبُ مِنْ زَحْفَيْهِمِ، فكأنّما
- تُؤلّفُ مِنْ أعْنَاقِ وَحْشٍ مُنَفَّرِ
- فَمَا رُمْتَ حتّى أجلَتِ الحرْبُ عن طُلًى
- مُقَطَّعَةٍ فيهِمْ، وَهامٍ مُطَيَّرِ
- على حينَ لا نَقْعٌ يطَوّحُهُ الصَّبَا،
- وَلاَ أرْضَ تُلْفَى للصّرِيعِ المُقَطَّرِ
- وكنتَ ابنَ كِسْرَى قبلَ ذاكَ وَبَعْدَهُ،
- مَليّاً بأنْ تُوهي صَفاةَ ابنِ قَيصَرِ
- جَدَحتَ لَهُ المَوْتَ الذُّعَافَ فعَافَهُ،
- وَطارَ على ألْوَاحِ شَطْبٍ مُسَمَّرِ
- مضَى وَهوَ مَوْلى الرّيحِ يَشكُرُ فَضْلها
- عَلَيهِ، وَمَن يُولَ الصّنيعَةَ يَشكُرِ
- إذا المَوجُ لم يَبْلُغْهُ إدْرَاكَ عَيْنِهِ
- ثَنى في انحدارِ المَوجِ لحظَةَ أخزرِ
- تَعَلّقَ بالأرضِ الكَبِيرَةِ، بَعد مَا
- تَنَقّصَهُ جَرْيُ النّدَى المُتَمَطِّرِ
- وَكُنّا متى نَصْعَدْ بِجِدّكَ نُدْرِكِ الـ
- ـمَعَالِي، وَنَسْتَنْصِرْ بيُمنِكَ نُنصَرِ
المزيد...
العصور الأدبيه