الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أقيم على التشوق أم أسير >>
قصائدالبحتري
أقيم على التشوق أم أسير
البحتري
- أُقيمُ عَلى التّشَوّقِ أمْ أسِيرُ،
- وَأعدِلُ في الصّبَابَةِ أمْ أجُورُ
- لجَاجُ مُعَذَّلٍ في الوَجْدِ يَبْلى،
- وَلا إقْصَارَ مِنْهُ وَلا قُصُورُ
- غُرُوراً كانَ ما وَعَدَتْكَ سُعدى،
- وَأحلى الوَعدِ، مِن سُعدى، الغُرُورُ
- لَبَرّحَ أوّلٌ للحُب مِنْهَا،
- وَشَارَفَ أنْ يُبَرّحَ بي أخِيرُ
- تَصُدُّ، وَفي الجَوَانحِ من هَوَاها
- وَمِنْ نِيرَانِ هِجْرَتِها، سَعِيرُ
- وَيَحْمَى الهَجْرُ في الأحشاءِ حَرّاً
- وَإيقاداً، كَما يحَمىَ الهَجِيرُ
- أليحُ مِنَ الغَوَاني أنْ تَرَى لي
- ذَوَائِبَ لائِحاً فيها القَتِيرُ
- وَجَهْلٍ بَيّنٍ في ذي مَشيبٍ،
- غَدا يَغْتَرُّهُ الرّشَأُ الغَرِيرُ
- تُعَنّينَا مُصَاحَبَةُ اللّيَالي،
- وَيُنْصِبُنَا التّرَوّحُ وَالبُكُورُ
- رَأيتُ المَرْءَ أُلّفَ مِنْ ضُرُوبٍ،
- يُؤثّرُ في تَزَايُدِها الأثِيرُ
- متى يذهَبْ، معَ الأيّامِ، يَنفَدْ
- نَفَادَ الحَوْلِ تُنفِدُهُ الشّهورُ
- لَقَدْ نَطَقَ البَشيرُ بِما ابتَهَجنَا
- لهُ، لو كانَ يَصْدُقُنا البَشيرُ
- بجَيشٍ تُسْتَبَاحُ بِهِ الضّوَاحي،
- وَتَعتَصِمُ العَوَاصِمُ وَالثّغُورُ
- يَحينُ رَدَى العِدى فيهِ، وَيُهدَى
- لهَا اليَوْمُ العَبوسُ القَمطَرِيرُ
- كَأنّ عَلى الفُرَاتِ وَجِيرَتَيْهِ
- جِبَالَ تِهَامَةَ ارْتَفَعَتْ تَسيرُ
- يُتَلّى في أوَاخِرِهَا تَبيعٌ،
- وَيَقْدُمُ في أوَائِلِهَا ثَبِيرُ
- فَمَنْ يَبْعُدْ بهِ عَنْهَا مَغيبٌ
- يُدَنِّ رَبيعَةَ الفَرَسِ الحُضُورُ
- يُدَبّرُها وَشيكُ العَزْمِ تُلْقَى
- إلَيْهِ، كَيْ يُنَفّذَها، الأُمُورُ
- بَعيدُ السّرّ لمْ يَقرُبْ ببَحثِ الـ
- ـمُنَقِّبِ ما كَمَى مِنهُ الضّمِيرُ
- مَكَايِدُ لمْ تُخِلّ بِهَا أنَاةٌ،
- وَإنْ عَجِلَ المُحَرِّضُ وَالمُشِيرُ
- بَوَالِغُ، لَوْ يُطاوِلُهَا قَصِيرٌ،
- لَقَصّرَ عَنْ مَبَالِغِهَا قَصِيرُ
- تَرَاءَاهُ العُيُونُ بِلَحْظِ وِدٍّ
- لطَلْعَتِهِ، وَتُكْبِرُهُ الصّدورُ
- بَهِيٌّ في حَمَائِلِهِ، جَميلٌ،
- وَفَخْمٌ في مَفَاضَتِهِ، جَهِيرُ
- إذا جِيبَتْ عَلَيْهِ الدّرْعُ رَاحَتْ
- وَحَشْوُ فُضُولِها كَرَمٌ وَخِيرُ
- أمِيرٌ تَارَةً تَأتي بِعَدْلٍ
- إمَارَتُهُ، وَتَارَاتٍ وَزِيرُ
- يَكُرُّ نَوَالُهُ عَلَلاً عَلَيْنَا،
- كُرُورَ الكأسِ أتْرَعَهَا المُدِيرُ
- قَليلٌ مِثْلُهُ، وَأقَلُّ شَيْءٍ،
- وَأعوَزُهُ مِنَ النّاسِ النظيرُ
- جَديرٌ أنْ يَلُفّ الخَيلَ شُعْثاً
- بخَيْلٍ خَلْفَهَا رَهَجٌ يَثُورُ
- يُجَلّي سُدْفَةَ الهَيْجَا بِوَجْهٍ
- يُضِيءُ عَلى العُيُونِ، وَيَستَنيرُ
- إذا لمَعَتْ بَوَادي البِشْرِ فيهِ،
- رَأيتَ البَرْقَ يَلْبَسُهُ الصَّبِيرُ
- وَمَا مِنْ مَوْرِدٍ أدنَى لري لَدَيْهِ
- منَ الأنهارِ، تَمْلِكُها البُحُورُ
- مَلَكْتَ شُطوطَ دِجلَةَ شارِعاتٍ،
- تُقَابَلُ في جَوَانِبِها القُصُورُ
- بِنَاءٌ لَمْ يُشَفِّقْ فيهِ بَانٍ،
- وَلا هَمٌّ مِنَ البَاني قَصِيرُ
- تَوَرّدَهُ الوُفُودُ مِنَ النّوَاحي،
- فيَرْضَى رَاغِبٌ، أوْ مُسْتَجيرُ
- فَلا تَبْرَحْ تُتِمُّ عَلَيْنا نُعْمَى،
- وَلا تَبرَحْ يَدُومُ لكَ السّرُورُ
- لكَ الخَطَرُ الجَليلُ تُهالُ مِنْهُ
- قُلُوبُ القَوْمِ، وَالقَدْرُ الكَبيرُ
- شكَرْتُ النّاصِرَ النِّعَمَ اللّوَاتي
- يَقِلُّ لِبَعْضِهَا الشّكْرُ الكَثيرُ
- وَما قَابَلْتُ عَارِفَةً بأُخْرَى،
- كَنُعْمَى بَاتَ يَجْزِيهَا شُكُورُ
- وفرت عليك مالك وهو علق
- مُرَزا، ليسَ عادَتُهُ الوُفُورُ
- فجُدْتَ وَجُزْتَ بي أقصَى الأماني،
- وَمِنْ عاداتِكَ الجُودُ الشّهِيرُ
- فَعَوِّضْ مِنْهُ جَاهاً أرْتَضيهِ،
- وَمِثلُكَ عِندَهُ العِوَضُ الخَطيرُ
- تَرَاكَ مُخَلِّفي في غَيرِ أرْضِي،
- وَإنْهَاضِي إلى بَلَدِي يَسِيرُ
- وَقَدْ شَمَلَ امتِنَانُكَ كلَّ حيٍّ،
- فَهَلْ مَنٌّ يُفَكُّ بهِ أسِيرُ
- وَأعْتَقْتَ الرّقابَ، فمُرْ بعَتقي
- إلى بَلَدي، وَأنْتَ بهِ جَديرُ
المزيد...
العصور الأدبيه