الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أترى الزمان يعيد لي أيامي >>
قصائدالبحتري
أترى الزمان يعيد لي أيامي
البحتري
- أتَرَى الزّمَانَ يُعَيدُ لي أيّامي
- بَينَ القُصُورِ البِيضِ، وَالآطَامِ
- إذْ لا الوِصَالُ بخُلْسَةٍ فيهِمْ، وَلا
- فَرْطُ اللّقَاءِ لَدَيْهِمِ بِلِمَامِ
- سَاعَاتُ لَهْوٍ ما تَجَدّدَ ذِكْرُها،
- إلاّ تَجَدّدَ عِندَ ذاكَ غَرَامِي
- وَهَوًى مِنَ الأهْوَاءِ باتَ مؤرّقي،
- فكَأنّهُ سَقَمٌ مِنَ الأْسْقَامِ
- للدّهْرِ عِندي نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ
- شَفَتِ الذي في الصّدرِ من أوْغَامِي
- والله ما أسْدَى مَبَادِىءَ نِعْمَةٍ،
- إلاّ تَغَمّدَ أهْلَهَا بِتَمَامِ
- طَلَبَ العِمَامَةَ والقَضِيبَ، وأينَ لم
- تَبلُغْ حَمَاقَةُ ذَلِكَ الحَجّامِ؟
- أَتُرَاهُ وُهِّمَ أَنَّهُ أَهْلٌ لَهَا
- سَفَهاً تَعَدِّي هذِهِ الأَوهَامِ ؟
- قَدْ رَامَ تَفْرِيقَ المَوَالي، بَعدَما
- جُمِعُوا على مَلِكٍ أغَرَّ، هُمَامِ
- مُتَعَزِّزٍ بالله، أصْبَحَ نِعْمَةً
- لله سابِغَةً عَلى الإسْلاَمِ
- ثَبْتِ الأنَاةِ، إذا اسْتَبَدّ برَأيِهِ
- وَفّاكَ حَقَّ النّقْضِ والإبْرَامِ
- ساقَ الأُمُورَ بعَزْمِهِ، فاستَوثقتْ
- لِمُوَفَّقٍ في أمْرِهِ، عَزّامِ
- فَخمٌ، إذا حملَ السّلاحَ عجبتَ من
- بَدْرٍ تألّقَ في سَوَادِ غَمَامِ
- لَبّاسُ أثْوَابِ الحَروبِِ، مُشَمِّرٌ
- عَن ساعِدَيْ أسَدٍ، بِبِيشَةَ، حامِ
- يَجفُو رَقيقَ العَيشِ، حتّى تَنجلي
- شُبَهُ الشّكُوكِ وَسَدْفَةُ الإظلامِ
- لمّا استَرابَ بما استَرَابَ بهِ انبَرَى
- بمُهَنّدِ الحَدّينِ، غَيرِ كَهَامِ
- فََسَرَى بعَينٍ مَا تَنَامُ على القَذَى
- لهَلاكِ صَرْعَى، في الحِجَالِ، نيامِ
- لَعِبُوا، وَلَجّ بهمْ لَجُوجٌ ماحكٌ
- في الحَرْبِ يُرْخِصُها على المُستامِ
- أيْقَظْتُمُوهُ وَنِمْتُمُ عَنْ صَوْلَةٍ
- طَحَنَتْ مَنَاكبَ يَذبُل وَشُمَامِ
- ما غَرّكُم منهُ، وقد جَرّبتُمُ
- سَطَوَاتِهِ في سَالِفِ الأعْوَامِ
- تَرَكَ الهَوَادَةَ،حينَ كَرّ يُرِيدُكُم
- بعَزِيمَةٍ فَصْلٍ، وَطَرْفٍ سَامِ
- وَغَدا وآجامُ الرّماحِ مَظِنّةٌ
- منهُ، وَمَغْنَى اللّيثِ في الآجامِ
- حُشِدَتْ مَوَاِليهِ لَهُ، فَتَرَادفتْ
- عُصَباً تُسايِفُ دونَهُ، وَتُرَامي
- لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُقدِمِينَ تَعَلّمُوا
- مِنْهُ التّقَدّمَ، ساعَةَ الإقْدامِ
- مُتَقَحِّمٌ بِهِمِ الغِمَارَ، وَعَزْمُهُ
- أنْ يَخلِطَ الأعْلاَمَ بالأعلامِ
- يَسَلُونَهُ فيها الأناةَ، وَقَدْ رَأوْا
- لُججاً يَمُوجُ بهِنّ بحرٌ طَامِ
- شَفَقاً على خَيْرِ البَرِيّةِ كُلّهَا
- نَفْساً، وأفضَلِ سَيّدٍ وَإمَامِ
- لَمّا شَهَرْتَ السّيفَ مُزْدَلِفاً بهِ
- قَلِقَ العُبَيْدُ، وَرَامَ كلَّ مَرَامِ
- وَزَحَفْتَ من قُرْبٍ، فلمْ تَكُ دارُه
- لمّا زَحَفْتَ إلَيْهِ دارَ مُقَامِ
- جَمَعَ العزِيمَةَ والإبَاقَ بِفَرّةٍ
- مَذْكُورَةٍ، أخْزَتْهُ في الأقْوَامِ
- يَرْجُو الأمَانَ ولا أمَانَ لغادِرٍ
- رشَقَ العَصا، وأحَلّ كلَّ حَرَامٍ
- فاليَوْمَ عاوَدَتِ الخِلاَفَةُ عِزَّها،
- وأضَاءَ وَجْهُ المُلْكِ بَعدَ ظَلاَمِ
- أضْحَى بُغَاءُ وأقْرَبُوهُ وَحِزْبُهُ،
- وكأنّهُمْ حُلْمٌ مِنَ الأحْلاَمِ
- طاحُوا فَما بَكَتِ العُيُونُ عَلَيهِمُ
- بدُمُوعِها، وَمَضَوْا بغَيرِ سَلاَمِ
- فاسْلَمْ أميرَ المؤمنينَ مُمَتَّعاً،
- بِتَتَابُعِ الآلاءِ والإنْعَامِ
المزيد...
العصور الأدبيه