الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أبعد الشباب المنتضى في الذوائب >>
قصائدالبحتري
أبعد الشباب المنتضى في الذوائب
البحتري
- أبَعْدَ الَشبابِ، المُنتَضَى في الذّوَائِبِ،
- أُحَاوِلُ لُطْفَ الوُدّ عندَ الكَواعِبِ
- وَكَانَ بَيَاضُ الرأس شَخصاً مُذَمّما
- إلى كُلّ بَيضَاءِ الحَشا والتّرَائِبِ
- وما انفَكّ رَسْمُ الدّارِ حتّى تَهَلّلَتْ
- دُمُوعي، وَحَتّى أكثَرَ اللّوْمَ صَاحبي
- وَقَفْنا فَلاَ الأطْلاَلُ رَدّتْ إجَابَةً،
- ولاَ العَذْلُ أجدى في المَشوقِ المُخاطِبِ
- تَمَادَتْ عَقَابيلُ الهَوَى، وَتَطَاوَلَتْ
- لَجَاجَةُ مَعْتُوبٍ عَلَيْهِ وَعَاتِبِ
- إذا قُلْتُ: قَضّيتُ الصّبَابَةَ، رَدَّهَا
- خَيَالٌ مُلِمٌّ مِنْ حَبِيبٍ مُجَانِبِ
- يَجُودُ، وَقد ضَنّ الألى شَغَفي بهمْ،
- وَيَدنو، وقد شَطّتْ دِيَارُ الحَبَائِبِ
- تُرِينيكَ أحْلامُ النّيامِ، وَبَيْنَنَا
- مَفَاوِزُ يَستَفرِغنَ جُهْدَ الرّكائبِ
- لَبِسْنا، مِنَ المُعْتَزّ بالله، نِعْمَةً
- هيَ الرّوضُ مَوْليّاً بِغُزْرِ السّحائبِ
- أقَامَ قَنَاةَ الدّينِ، بَعدَ اعوِجَاجِها،
- وأرْبَى على شَغْبِ العدوّ المُشاغِبِ
- أخو الحزْمِ قد ساسَ الأمورَ وَهذّبَتْ
- بَصِيرَتُهُ فيها صُرُوفَ النّوَائِبِ
- وَمُعْتَصِميُّ العَزْمِ يَأوِي بِرَأيِهِ
- إلى سَنَنٍ مِنْ مُحكِمَاتِ التّجارِبِ
- تُفَضّلُهُ آيُ الكِتَابِ، وَيَنْتَهي
- إلَيْهِ تُرَاثُ الغُلْبِ مِنْ آلِ غَالِبِ
- تَوَلّتْهُ أسْرَارُ الصّدُورِ، وأقْبَلَتْ
- إلَيْهِ القُلُوبُ مِنْ مُحِبٍّ وَرَاغِبِ
- وَرُدّتْ، وَمَا كَانَتْ تُرَدُّ بِعَدْلِهِ،
- ظُلاماتُ قَوْمٍ، مُظلِمَاتُ المَطَالِبِ
- إمَامُ هُدًى عَمَّ البَرِيةَ عَدْلُهُ،
- فأضْحَى لَدَيْهِ آمِناً كُلُّ رَاهِبِ
- تَدارَكَ، بَعْدَ الله، أنْفُسَ مَعْشَرٍ،
- أطَلّتْ على حَتْمٍ مِنَ المَوْتِ وَاجِبِ
- وَقَالَ لَعاً للعاثِرِينَ، وَقَدْ رَأى
- وثوبَ رِجَالٍ فَرّطُوا في العَوَاقِبِ
- تَجَافَى لهمْ عَنها، وَلَوْ كَانَ غَيرُهُ
- لَعَنّفَ بالتّثْرِيبِ، إنْ لم يُعَاقِبِ
- وَهَبْتَ عَزِيزَاتِ النّفُوسِ لمَعْشَرٍ
- يَعُدُّونَها أقصَى اللُّهَى، والمَوَاهِبِ
- وَلَوْلا تَلاَفيكَ الخِلاَفَةَ لانبَرَتْ
- لها هِمَمُ الغَاوِينَ مِنْ كُلّ جانبِ
- إذاً لادّعاها الأبْعَدُونَ، وَلارْتَقَتْ
- إلَيْها أمَانيُّ الظُّنُونِ الكَواذِبِ
- زَمَانَ تَهَاوَى النّاسُ في لَيْلِ فِتْنَةٍ،
- رَبُوضِ النّوَاحي، مُدلهمِّ الغَيَاهبِ
- دَعَاكَ بَنُو العَبّاسِ ثَمّ، فأسْرَعتْ
- إجَابَةُ مُسْتَوْلٍ على المُلْكِ غالبِ
- وَهَزّوكَ للأمْرِ الجَليلِ، فلَمْ تكُنْ
- ضَعيفَ القُوَى فيهِ كَليلَ المَضَارِبِ
- فَما زِلْتَ حتّى أذْعَنَ الشّرْقُ عَنْوَةً،
- وَدانَتْ على صِغْرٍ أعَالي المَغَارِبِ
- جيُوشٌ مَلأنَ الأرْضَ حتّى ترَكْنَها
- وَمَا في أقَاصِيها مَفَرٌّ لِهَارِبِ
- مَدَدْنَ وَرَاءَ الكَوْكَبيّ عَجَاجَةً،
- أرَتْهُ نَهَاراً طَالِعَاتِ الكَوَاكِبِ
- وَزَعْزَعْنَ دَنبَاوَنْدَ منْ كلّ وِجْهَةٍ،
- وَكَانَ وَقُوراً مُطمَئِنَّ الجَوَانِبِ
- وَقَدْ أفِنَ الصّفّارُ، حتّى تَطَلّعتْ
- إلَيْهِ المَنَايَا في القَنَا والقَوَاضِبِ
- حَنَوْتَ عَلَيْهِ بَعدَ أنْ أشرَفَ الرّدَى
- على نَفْسِ مُزْوَرٍّ عنِ الحَقّ ناكِبِ
- تأنّيْتَهُ حتّى تَبَيّنَ رُشْدَهُ،
- وَحَتّى اكتَفَى بالكُتبِ دونَ الكَتَائِبِ
- بِلُطْفِ تأتٍّ مِنْكَ ما زَالَ ضَامِناً
- لَنَا طَاعَةَ العَاصِي، وَسِلمَ المُحَارِبِ
- فَعَادَ حُساماً عَنْ وَلِيّكَ ذَبُّهُ،
- وَحَدَّ سِنَانٍ في عدُوّكَ نَاشِبِ
- بَقيتَ، أميرَ المُؤمِنينَ، مُؤمَّلاً
- لغَفْرِ الخَطَايَا، واصْطِنَاعِ الرّغَائِبِ
- ومليت، عبد الله من ذي تطول
- كريم السجايا هبرزي الضرائب
- شَبيهُكَ في كلّ الأُمُورِ، وَلَنْ تَرَى
- شَبيهَكَ إلاّ جَامِعاً للمَنَاقِبِ
- أُؤمّلُ جَدْوَاهُ، وأرْجو نَوَالَهُ،
- وَمَا الآمِلُ الرّاجي نَداهُ بِخَائِبِ
المزيد...
العصور الأدبيه