الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> ابن دريد >> لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا >>
قصائدابن دريد
لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا
ابن دريد
- لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا
- فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ أَوفَاسْتَشْعِرِ الحُوبَا
- وافْزَعْ إِلَى كَنَفِ التَّسْلِيمِ وَارْضَ بِمَا
- قَضَى المُهَيْمِنُ مَكْرُوهاً ومَحْبُوبَا
- إِنَّ العَزَاءَ إِذَا عَزَّتْهُ جَائِحَة ٌ
- ذَلَّتْ عَرِيكَتُهُ فَانْقَادَ مَجْنُوبَا
- فإنْ قرنتْ إليهِ العزمَ أيَّدهُ
- حتَّى يعودَ لديهِ الحزنُ مغلوبا
- فَارْمِ الأَسَى بِالأُسَى يُطْفِي مَوَاقِعَهَا
- جمراً خلالَ ضلوعِ الصَّدرِ مشبوبا
- منْ صاحبَ الدَّهرِ لمْ يعدمْ مجلجلة ً
- يظلُّ منها طوالَ العيشِ منكوبا
- إنَّ البليَّة َ لا وفرٌ تزعزعهُ
- أَيْدِي الحَوَادِثِ تَشْتِيتاً وتَشْذِيبَا
- وَلاَ تَفَرُّقُ أُلاَّفٍ يَفُوتُ بِهِمْ
- بينٌ يغادرُ حبلَ الوصلِ مقضوبا
- لَكِنَّ فُقْدَانَ مَنْ أَضْحَى بِمَصْرَعِهِ
- نُورُ الهُدَى وبَهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوبَا
- أَوْدَى أَبُو جَعْفَرٍ والعِلْمَ فَاصْطَحَبَا
- أَعْظِمْ بِذَا صَاحِباً إِذْ ذَاكَ مَصْحُوبَا
- إِنَّ المَنِيَّة َ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً
- بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّينِ مَنْصُوبَا
- أَهْدَى الرَّدَى لِلثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَهُ
- نجماً على منْ يعادي الحقَّ مصبوبا
- كانَ الزَّمانُ بهِ تصفو مشاربهُ
- فالآنَ أصبحَ بالتَّكديرِ مقطوبا
- كَلاَّ وأَيَّامُهُ الغُرُّ الَّتِي جَعَلَتْ
- للعلمِ نوراً وللتَّقوى محاريبا
- لاَ يَنْسَرِي الدَّهْرُ عَنْ شِبْهٍ لَهُ أَبَداً
- مَا اسْتَوْقَفَ الحَجُّ بِالأَنْصَابِ أُرْكُوبَا
- أَوْفَى بِعَهْدٍ وأَرْوَى عِنْدَ مَظْلَمَة ٍ
- زنداً وآكدَ إبراماً وتأديبا
- منهُ وأرصنُ حلماً عندَ مزعجة ٍ
- تغادرُ القلَّبيَّ الذهنِ منخوبا
- إذا انتضى الرَّأيَ في إيضاحِ مشكلة ٍ
- أَعَادَ مَنْهَجَهَا المَطْمُوسَ مَلْحُوبَا
- لا يعزبُ الحلمُ في عتبٍ وفي نزقٍ
- ولا يجرِّعُ ذا الزَّلاَّتِ تثريبا
- لا يولجُ الَّلغوُ والعوراءُ مسمعهُ
- وَلاَ يُقَارِفُ مَا يُغْشِيهِ تَأْنِيبَا
- إنْ قالَ قادَ زمامَ الصِّدقِ منطقهُ
- أَوْ آثَرَ الصَّمْتَ أَوْلَى النَّفْسَ تَهْيِيبَا
- لقلبهِ ناظراً تقوى سما بهما
- فأيقظَ الفكرَ ترغيباً وترهيبا
- تَجْلُو مَوَاعِظُهُ رَيْنَ القُلُوبِ كَمَا
- يجلو ضياءُ سنا الصُّبحِ الغياهيبا
- سِيَّانَ ظَاهِرُهُ البَادِي وبَاطِنُهُ
- فَلاَ تَرَاهُ عَلَى العِلاَّتِ مَجْدُوبَا
- لا يأمنُ العجزَ والتَّقصيرَ مادحهُ
- ولاَ يَخَافُ عَلَى الإِطْنَابِ تَكْذِيبَا
- ودَّتْ بقاعُ بلادِ اللهِ لوْ جعلتْ
- قَبْراً لَهُ فَحَبَاهَا جِسْمُهُ طِيبَا
- كَانَتْ حَيَاتُكَ لِلدُّنْيَا وسَاكِنِهَا
- نُوراً فَأَصْبَحَ عَنْهَا النُّورُ مَحْجُوبَا
- لوْ تعلمُ الأرضُ ما وارتْ لقدْ خشعتْ
- أقطارها لكَ إجلالاً وترحيبا
- كنتَ المقوِّمَ منْ زيغٍ ومنْ ظلعٍ
- وفَّاكَ نصحاً وتسديداً وتأديبا
- وكنتَ جامعَ أخلاقٍ مطهَّرة ٍ
- مهذَّباً منْ قرافِ الجهلِ تهذيبا
- فإنْ تنلكَ منَ الأقدارِ طالبة ٌ
- لَمْ يُثْنِهَا العَجْزُ عَمَّا عَزَّ مَطْلُوبَا
- فَإِنَّ لِلْمَوْتِ وِرْداً مُمْقِراً فَظِعاً
- على كراهتهِ لا بدَّ مشروبا
- إنْ يندبوكَ فقدْ ثلَّتْ عروشهمُ
- وأصبحَ العلمُ مرثيًّا ومندوبا
- ومنْ أعاجيبِ ما جاءَ الزَّمانُ بهِ
- وقدْ يبينُ لنا الدَّهرُ الأعاجيبا
- أنْ قدْ طوتكَ غموضُ الأرضِ في لحفٍ
- وَكُنْتَ تَمْلأُ مِنْهَا السَّهْل َوالُّلوبَا
المزيد...
العصور الأدبيه