الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> ابن المعتز >> أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا >>
قصائدابن المعتز
أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا
ابن المعتز
- أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا
- سوالفَ أيامٍ سبقنَ وأخرا
- وسكرَة َ عيَشٍ فارغٍ من هُمومِه،
- و معروفَ حالٍ لم نخفْ أن ينكرا
- وعصرَ شَبابٍ كانَ مَيعَة َ حُسنِه،
- وظِلاًّ من الدّنيا علَيهِ مُنَشَّرَا
- إذا كنا لا يرددنَ ما فاتَ من هوى ،
- فلا تدعِ المخزونَ أن يتصبرا
- و قالوا : كبرتَ فانتضيتَ من الصبا ،
- فقلتُ لهم: ما عشتُ إلاّ لأكبَرَا
- إذا لاحَ شَيبُ الرّأسِ يوماً ولَيلَة ً،
- فما أجدرَ الإنسانَ أن يتغيرا
- ولَبثي وإخلافي أُناساً فَقِدتُهُم،
- و ما كنتُ أرجو بعدهم أن أعمرا
- هُمُ طرَدوا عن مُقلتي رائدَ الكَرى ،
- و شكوا سوادَ القلبِ حتى تفطرا
- و أجلوا همومي من سواهم وأطبقوا
- جفوني فما أهوَى من العيشِ مَنظرَا
- وأصبَحتُ مُعتَلَّ الحَياة ِ كأنّني
- أسِيرٌ رأى وَجهَ الأميرِ، ففَكّرَا
- فإما تريني بالذي قد نكرته ،
- فيا رُبّ يومٍ لم أكنْ فيه مُنكَرَا
- أروحُ كغصنِ البانِ بيتهُ الندى ،
- و هزّ بأنفاسٍ ضعافٍ وأمطرا
- فمالَ على ميثاءَ ناعمة ِ الثرى ،
- تغلغلَ فيها ماؤها وتحيرا
- كأنّ الصَّبا تُهدي إلَيها إذا جرَتْ
- على تُربِها، مِسكاً سَحيقاً وعَنبرَا
- سقتهُ الغوادي والسواري قطارها ،
- فجنّ كما شاءَ النباتُ ونورا
- و حلتْ عليهِ ليلة ٌ أرحبية ٌ ،
- غذا ما صفا فيها الغديرُ تكدرا
- كأنّ الغواني بينَ بينَ رياضهِ ،
- فغادرنَ فيهِ نشرَ وردٍ وعبهرا
- طويلة َ ما بين البياضينِ ، لم يكدْ
- يُصَدَّقُ فيها فجرُها حينَ بَشّرَا
- إذا ما ألحتْ قشرَ الصخرَ وبلها ،
- و همتْ غصونُ النبعِ أن تتكسرا
- فباتتْ إذا ما البرقُ أوقدَ وسطَها
- حَريقاً أهَلّ الرّعدُ فيهِ وكَبّرَا
- كأنّ الربابَ الجونَ دونَ سحابهِ
- خليعٌ من الفِتيانِ يَسحبُ مِئزَرَا
- إذا لحقَتهُ رَوعَة ٌ من وَرائِهِ
- تَلَفّتَ واستَلّ الحُسامَ المُذكَّرَا
- فأصبحَ مستورَ الترابِ كأنما
- نشرتَ عليهِ وشيَ بردٍ محبرا
- به كلُّ موشيّ القوائمِ ناشطٌ ،
- و عينٌ تراعي فاترَ اللحظِ أحورا
- تُطيفُ بذَيّالٍ كأنّ صُوارَهُ
- غدائرُ ذي تاجٍ عتا وتجبرا
- يحكُّ الغصونَ المورقاتِ بروقه
- كخصفك بالإشفى نعالاً فخصرا
- وذي عُنُقٍ مثلِ العصا شُقّ رأسها
- وشُذّبَ عَنها جِلدُها فتَقَشّرَا
- و ساقٍ كشطرِ الرمحِ صمّ كعوبه
- تردى على ما فوقها وتأزرا
- فبادرتهُ قبلَ الصباح بسابحٍ
- جوادٍ ، كما شاءَ الحسودُ وأكثرا
- إذا ما بدا أبصرتَ غرة َ وجهه
- كعُنقودِ كَرمٍ بَينَ غُصنَينِ نوّرَا
- و سالفتي ظبي من الوحشِ سانحٍ ،
- غذا ما عراهُ خوفُ شيءٍ تبصرا
- وَرِدْفاً كظَهرِ التُّرسِ أُسبِلَ خَلفَه
- عَسيبٌ كفَيضِ الطَّودِ لمّا تحدّرَا
- وأرسَلتُهُ مُستَطعِماً لعِنانِهِ،
- أخا ثقة ٍ ما أنتَ إلاّ مبشرا
- و همٌّ أتتني طارقاتُ ضيوفهِ
- فما كانَ إلاّ اليعملاتِ له قرى
- بوَحشيّة ٍ قَفرٍ تَخالُ سَرابَها
- مهاً لامعاتٍ ، أو ملاءً منشرا
- فلما تبدى الليلُ يحدو بنجمهِ ،
- لبسنا ظلاماً لم يكدْ صبحهُ يرى
- و طافَ الكرى بالقومِ حتى كأنهم
- نشاوى شرابٍ دبّ فيهم وأسكرا
- فمن كلّ هذا قد قضيتُ لبانتي ،
- و ولى ، فلم أملكْ أسى ، وتذكرا
- ويومٍ من الجَوزاءِ أصلَيتُ نارَه،
- وقد سترَ الكنّاسُ إذ بانَ مُشترَى
- وقد أكلَتْ شمسُ النّهارِ ظِلالَهُ،
- وصارَتْ كحِرباءِ الهواجرِ معفَرَا
- و كم من عدوٍ رامَ قصفَ قناتنا ،
- فلاقَى بنا يوماً من الشرّ أحمَرَا
- إذا أنتَ لم تَركَبْ أدانيَ حادِثٍ
- من الأمرِ لاقَيتَ الأقاصيَ أوعَرَا
المزيد...
العصور الأدبيه