الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> ميخائيل نعيمة >> النهر المتجمد >>
قصائدميخائيل نعيمة
- يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخرير ؟
- أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟
- ***
- بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائقِ والزهور
- تتلو على الدنيا وما فيها أحاديثَ الدهور
- ***
- بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريق
- واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميق
- ***
- بالأمس كنتَ إذا أتيتُكَ باكياً سلَّيْتَني
- واليومَ صرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكاً أبكيتني
- ***
- بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّدِي وتوجُّعِي
- تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !
- ***
- ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيودٌ من جليد
- قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْكَ بها يدُ البرْدِ الشديد ؟
- ***
- ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمال
- يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بهِ ريحُ الشمال
- ***
- والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِكَ ناثراً أغصانَهُ
- لا يسرح الحسُّونُ فيهِ مردِّداً ألحانَهُ
- ***
- تأتيه أسرابٌ من الغربانِ تنعقُ في الفَضَا
- فكأنها ترثِي شباباً من حياتِكَ قد مَضَى
- ***
- وكأنها بنعيبها عندَ الصباحِ وفي المساء
- جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَكَ الصافي إلى دارِ البقاء
- ***
- لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيامُ الربيع
- فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يدُ الصقيع
- ***
- وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحوَ البِحَار
- حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنوارِ النهار
- ***
- وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم
- وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيم
- ***
- والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْن
- والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْكَ العارِيَيْن
- ***
- والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائبِ والمِحَن
- ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَرَّ الفَنَن
- ***
- وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشباب
- فيغرد الحسُّونُ فوق غصونهِ بدلَ الغراب
- ***
- قد كان لي يا نهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج
- حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهواءٌ وآمالٌ تموج
- ***
- قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل
- واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمل
- ***
- فتساوتِ الأيامُ فيه : صباحُها ومساؤها
- وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُها وشقاؤها
- ***
- سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء
- سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء
- ***
- نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمالَ عنها وانفرد
- فغدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحد
- ***
- وغدا غريباً بين قومٍ كانَ قبلاً منهمُ
- وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغزٌ مبهمُ
- ***
- يا نهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّلا
- والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا
المزيد...
العصور الأدبيه