الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> قاسم حداد >> مرارات >>
قصائدقاسم حداد
- مررنا بهم
- أسرى مثل أقفاصٍ تحرس الأجنحة
- يذودون عن أرواحهم بالمرارات
- تحت آباطهم مفاتيح تصدأ
- وفي أحداقهم ما يشبه القناديل
- ضوءٌ شاحبٌ في عاصفة
- لجوعهم أنينٌ مثل جوقة الكهنة
- نسمع حَكَّ الحديد في أخماص أقدامهم
- مررنا بهم
- فانتابنا زفير المجامر
- لهم رائحة الزبد الطائش من أشداق الخيول
- مجدولو الذوائب
- تتدلى على أكتافهم صناجات تطردُ ذريعة الفرار
- يضعون ذاكرتهم في رماد بارد
- وبين أيديهم كتبٌ تتضرع لشجاعة الصلاة.
- كلما قام منهم شخصٌ تساقطت أعضاؤه
- مثل شجرة تسبق الخريف
- ظهورهم موشومة بأشكال الساعات
- بعقارب ترصدُ المواقع وتحرس المدن
- مررنا بهم
- يشخصون إلينا بأحداق تطلع منها طيورٌ عمياء
- نكسر في وجوههم الشمس بالمرايا
- فلا يرفُّ لهم جفنٌ ولا تتهدّل أهدابهم
- يتفصّد الرخام من مقلهم
- وينبثق كأنه الحمم
- كلما ظننا لهم شكلاً
- طاحَ قناعٌ لندرك قناعاً آخر خلفه
- مررنا بهم
- نحمل المديحَ الفادح
- فإذا بالمراثي تقصرُ عن وصفهم
- مصابون باحتدام الجيوش تحت جلودهم
- دون أن تكفَّ دورة الدم في الزجاج
- مررنا بهم
- صرعى صراعاتهم
- زرعوا أشلاءهم بزهرة الكباريت
- فلم يدركوا غير براثن الجليد
- تنغرس في عاجهم العاري
- انتهبوا خريطةَ الناس
- واقتتلوا عند اقتسام الأسلاب
- جديرون بما يجعل الرحيل تحية البحر
- وقلق السفن وقلادة المسافرين
- جديرون
- والوقت وشم على ميزانهم
- ومن أضلاعهم يأخذ الاسطرلاب أشكاله الغامضة
- مررنا بهم
- يعبّون طحلباً فاسداً من قصعاتهم
- ويسفّون الرملَ بلهفة العطش
- يتحاجزون بمهج الناس
- ويتقاذفون بالمواعين
- نطرح الأسئلة عليهم
- فتفوح من أفواههم الأبخرة
- ويطفر الكلام بلا دلالة ولا معنى
- وكلما اقتربنا من بياض أحداقهم
- صفعتنا أجنحة بلهاء
- تطرد الهواء لئلا يوقظ طبيعة الطير
- مررنا بهم
- مثلما تمر الثواكلُ على قبور المفقودين
- ليسوا من القتلى
- و لا يصدّون اللوعة عن أفئدة النساء
- مررنا بهم
- نفضحهم بذاكرة المستحيل
- جمعنا لهم القرائن كي يكفّوا عن الموت
- مدحنا لهم الغياب بفصاحة الصمت
- كي يدركوا الفرق بين القواميس وقناديل الطريق
- فلم يلتفتوا ولم يصغوا لوقع مرورنا الصاخب
- كُتبنا تتشبث بأخبارهم
- وهم يتقفّصون على أنفاسهم الأخيرة.*
المزيد...
العصور الأدبيه